أَبْحَاثٌ عِلْمِيَّة عَلَى رُفُوفِ مَنْسِيَّة !…

أَبْحَاثٌ عِلْمِيَّة عَلَى رُفُوفِ مَنْسِيَّة !…

لقد قيل “ما فائدة الثمار اذا تركت تذبل على أغصانها أو سقطت في أحواض أخرى” بهذه العبارة ننعي أنفسنا بالأبحاث والرسائل العلمية التي تتكدس فيها رفوف المكتبات في الجامعات والمؤسسات دون الاستفادة منها بل أصبحت في طي النسيان للزينة والبهرجة بكمية الأوراق والمشاركات والمؤتمرات والأبحاث المنشورة في المجلات العلمية, والسؤال أو بالأحرى الأسئلة التي ينبغي أن تطرح، ولا نمل جميعاً من طرحها هي: ما مصير هذه الأبحاث المتكدسة والتي يشكو أصحابها من غياب الوعي والاهتمام الحقيقي بالجهد المبذول والعلم! وهل يوجد من بين الأبحاث مواضيع جديرة بالتطبيق! والى متي ستبقي الأبحاث نائمة في سباتها بأدراج الكليات! ومن المسؤول عن دفع  الطاقات والعلماء للهجرة والاستقرار في الخارج!

رب ضارة نافعة كما يُقال، لقد كشفت أزمة كورونا في العالم مدي أهمية الصحة والتعليم والبحث العلمي وأنهم هم الاستثمار الأمثل, وان البحث العلمي ليس ما ينقص الوطن العربي وإنما التنظيم والاهتمام بالطاقات الفذة والمبدعة والعمل على تطويرها واستثمارها وتحفيزها وتقديم المساعدات والحوافز المشجعة, وتشجيعهم على اكمال الدراسات العليا من خلال المنح لما لها من تأثير ايجابي في تعزيز مكانه الانسان وكذلك بالنفع الذي سيقدمه للبلد سواء بالمشاريع والاختراعات العلمية أو بمواصلة مسيرة التدريس, تعد بحوث ومشاريع التخرج من الانجازات العلمية والمعرفية والفكرية والابداعية فهي تقدم الحلول للمشكلات الواقعية التي يعاني منها المجتمع عن طريق المعالجة العلمية الدقيقة لهذه المشكلات فضلا عن خلق جيل من الشباب الواعي لأزمات المجتمع واحتياجاته, واذا دققنا النظر في الوقت الحاضر نجد أن الجهات المسؤولة عن التعليم لم تبادر حتى الى النظر في كيفية الاستفادة من الأبحاث والأوراق المتكدسة فوق بعضها البعض والتي تراكم فوقها الغبار وركنتهم مجموعين في الادراج والرفوف, بل وللأسف اعتبرت البحث العلمي ترفا فكريا وعلميا فأهملته ولم تخصص له مبلغ مالي في ميزانيتها لتطوره ولترقي به مما سبب الكثير من الفوضى بل وعملت على وضع العراقيل أمام الباحث من خلال عدم تزويده بالمعلومات الكافية لبحثة وبعض المؤسسات ترفض سفر الباحث وعملت على عرقلته وتهميشه من خلال اجبارها الباحث ان يقدم ورقة استضافة من جامعة خارج بلده وهنا تكمن المشكلة ان الكثير من الجامعات ترفض التوقيع على تلك الشروط وترفض استقبال الباحث مما يسبب للباحث الاحباط والشعور بالملل من البحث مما يدفعه للتفكير في الهجرة الى الخارج” هجرة العقول” لكي يجد البيئة الحاضنة والمعززة لمواهبه وقدراته والعلمية المناسبة له في الدول الغربية, وبعد ذلك نلومهم لماذا هاجروا وتركوا بلادهم, ولكن لماذا الإهمال الكبير في الأطاريح والطاقات والمجهودات التي تقدم والتي يطمح المتقدم بها في استشراف مستقبل أفضل وعدم الاستفادة من البحوث بل أغلبها تبقي مهملة على رفوف الوزارات والمكتبات والمجهودات تضيع هباء منثورا وتذهب سدى والغرض منها يكون فقط للحصول على ترقية وراتب أعلي والحصول على لقب علمي للفشخرة والتباهي.

ان البحث العلمي مفردة جميلة أو حلم يبحث عمن يحققه ويرسم أفاقه ويصيغ لمساته ويضع أهدافه ولكن لماذا هذه العراقيل والأشواك أمام مسيرة تقدم البحث العلمي, نحن نعاني من فجوة كبيرة ما بين المؤسسات والجامعات والمجتمع وهذه الفجوات بحاجة الي تجسير للتقارب لتحقيق الأهداف والتي بالتالي تفيد مؤسسات المجتمع من الابحاث الأكاديمية على النحو المطلوب, ولكن تعجز كل دولة عربية لوحدها عن القيام بالمهمة الملقاة على جامعاتها مهما كانت امكاناتها فالوطن العربي بحاجة الى مشروع نهضوي ذو استراتيجية تعليمية بحثية مشتركة والي تطبيق وتنفيذ واشراف ومتابعة, وذلك من خلال الاستفادة من أساليب وطرائق التدريس ومن النجاحات ومن الوسائل والتقنيات المستخدمة, ولإعطاء البحوث التربوية المنجزة ما تستحقه من أهمية يجب العمل على إعادة عرضها بالطريقة الرقمية، وتزويد المؤسسات التعليمية بنسخ منها عن طريق أقراص مدمجة، وحث المؤطرين على مناقشتها مع الأساتذة في إطار لقاءات تربوية ودروس تطبيقية حتى لا تضيع جهود باحثين تربويين ممن راكموا تجارب واسعة.

هناك مشكلة كبيرة يعاني منها المجتمع العرب وهي أن مخرجات العملية التعليمية عديمة القيمة, وأن التدريس يقوم على أساس التلقين والحفظ, حيث يلجأ الباحث أو طالب الدراسات العليا بطرح موضوع ما وجمع قدر كبير من المعلومات تؤيد فكرته لينال الشهادة وفي بعض الاحيان يرغم الباحث على فكرة بحثية لان المشرف أرغمه على قبول العنوان لكي يسجل ويحصل على الدرجة وينتهي موضوع البحث الى رفوف المكتبات, والغريب أنه وبفضل التطورات والمستحدثات التكنولوجية وبعد ظهور الفضاءات المفتوحة أصبحت المعلومة متاحة لدرجة التخمة اذ أصبحت المعلومة متاحة بنقرة زر للتحميل وللنسخ وللسرقة ولكن لا أحد مهتم بالموضوع وكأن التعليم والبحث العلمي أضحي شيء هامشي. اذن يستلزم تغيير فلسفة العملية التعليمية و اعتماد منهج قائم على المخرجات وفكرتها هي أن المعلومة متوفرة ولكن كيف نستفيد منها والاعتماد على الذكاء الاصطناعي, والخلاص من النظام التعليمي التقليدي لأنه يسبب الانفصام ما بين السوق وبين النظام التعليمي وبالتالي يصدر لنا حمله الدكتوراه ضمن صفوف العاطلين عن العمل.

حلت أزمة كورونا وكشفت لنا أن النظام التعليمي يعيش خارج بوتقة التاريخ والمؤسف في الأمر أن أغلب أساتذة الجامعات معرفتهم بالحاسوب ضعيفة جدا وهذا يدل على أنهم غير مدركين للتطورات الجارية في مجالهم عالميا,  لذا يجب على المؤسسات التعليمية العمل على تطوير كادرها من خلال الدورات والورشات لكي يجيدوا استخدام والتعامل مع وسائل العصر الحديث لانهم لو بقوا على نفس الوتيرة بالتعليم التقليدي سيكون ضررهم أكثر من نفعهم, ويجب الاستفادة من المؤتمرات العلمية التي تناقش التجارب والمشاكل المتعلقة في البحث العلمي بالوطن العربي والتي تخرج بقائمه حلول تطبق فعليا, وضرورة العمل على النظرة الاستشرافية الدائمة المتجددة للتطورات التكنولوجية على المدي القصير والمتوسط وقراءة التغير المستمر في العالم قراءه واعية وتحديث البنية الأساسية واستثمار في الموارد البشرية, وزيادة الدعم المالي لمؤسسات البحث العلمي، وتقديم المنح السخية لبرامج البحث العلمي والتطوير, واستثمار البحوث العلمية استثمارًا حقيقيًا في خدمة المجتمع, لأن ازدهار المجتمعات والأمم لا يتم بمنأى عن اصلاح منظومة التربية والتعليم واستثمار في العنصر البشري كدعامة للنهضة الفكرية.

شارك هذا المنشور