التنمر الالكتروني ….. الموت البطيء!!!!!
يعد التنمر الالكتروني جريمة العصر القاتلة , والتي باتت توصف بانها ظاهرة بدون دليل واضح , مثل الجرائم التي توصف بعصا سحرية لأنها تدخل ضمن فرضية قانون الاثبات , تلك الجريمة التي تأتي عن طريق استخدام الوسائل الالكترونية المتعددة, وتمارس بعدة اوجه مثل الايذاء النفسي والاجتماعي للشخص بشكل عدائي والطعن بسمعته والتشهير به , عن طريق شن حملات نفسية شديدة من خلف شاشة جهاز الكمبيوتر أو شاشة الهاتف الذكي ويقوم المتنمر بالتستر خلف أسماء وهمية ويقوم بتشجيع الاخرين على قذف ونقل معلومات وأسرار الشخصية المستهدفة بهدف عزله .
ترى نيرمين البورنو ” دكتورة تكنولوجيا التعليم , ومشرف تربوي “ أن التنمر الإلكتروني هو ممارسة الإيذاء المتكرر المقصود للأشخاص بهدف الترهيب والتخويف والتلاعب والقمع والتهديد بسمعة وسلامة المتلقي وإذلاله ، وذلك من خلال التلاعب بسحب صورة الشخص ونشرها بطرق مقززة أو التلاعب بسرقة واختراق حساب الشخص وهويته وانتحال شخصيته وليتم استبعاده من المجموعات أو الموقع , وتلفيق له أقوال وأفعال باطلة وسرقة المعلومات وحسابات وإتلاف البيانات أو الأجهزة .
وتشير البورنو ان التنمر عبر الإنترنت بمثابه البلطجة التي تحدث بواسطة الأجهزة الرقمية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، و يمكن أن يحدث التنمر الالكتروني عبر خدمة الرسائل القصيرة (SMS) أو التطبيقات أو عبر الإنترنت في شبكات التواصل الاجتماعية أو المنتديات أو الألعاب حيث يمكن للأشخاص مشاهدة المحتوى أو المشاركة فيه أو مشاركته عبر وسائل الاتصال الاخرى , ويقوم المتنمر بإرسال رسائل الكترونية بشكل متكرر تحمل عبارات ابتزاز أو صور مرعبه إلى جانب عينة من الصور أو المعلومات المسروقة من الضحية وذلك لإثارة الرعب المستمر للضحية وإضعافها مع الاستمرار بمطاردتها لتسهيل عملية إسقاطها ماليا وعمليا أو جنسيا.
وتؤكد البورنو على ضرورة تشديد الرقابة على استخدام الطفل والمراهق لوسائل الانترنت من قبل الاسرة دون أن نشعره انه مراقب لحمايته من أي ضرر نفسي قد يلحق به , وتقوية جسور العلاقة بين الاباء والابناء في هذه المراحل العمرية الحساسة لحمايتهم من الوقوع فريسه لأي متنمر واتاحة الفرصة لهم للحديث عما يزعجهم , وتوعيتهم على طلب المساعدة سواء من الاباء او المعلمين عند التعرض للتنمر المباشر, والعمل على تعليم أبنائنا الأسس ومبادئ التقنيات الأمنية وتعليمهم باستخدام الاجهزة الالكترونية بالشكل الصحيح على أن تكون بمسؤولية وحذر تام لعدم انخراطهم في جرائم الانترنت والانجراف نحو التنمر الالكتروني , فهناك عواقب قانونية دولية في حالة المطاردة التقليدية والالكترونية ويمكنه ان يسجن او يعاقب , ولتجنب التعرض للتنمر الالكتروني يجب استخدام الهواتف الذكية بحذر وعدم نشر تفاصيل شخصية مثل رقم الهاتف الخاص أو العنوان .
وترى ياسمين عليان “دكتورة علم النفس التربوي ” أن المتنمرين إلكترونيا هم شخصيات مرضية سيكوباتية ضد المجتمع تعاني عادة من الهوس والحسد المرضي أو الاضطراب العاطف, ويلجئون لتلك الأساليب ليسقطوا ما بداخلهم من نقص وحرمان وقهر وعنف تعرضوا له في حياتهم على المجتمع كنوع من التعويض للحرمان وسوء التنشئة التربوية والاجتماعية التي تعرضوا لها إلى جانب فشلهم في حياتهم الاجتماعية أو الأسرية أو الشخصية أو المهنية، فيحاول المتنمرين الاستمتاع بمضايقة الضحية والتلذذ بألمها دون خجل فيلجأوا إلى التهديد بالتحرش الجنسي للضحية وابتزازها ماليا لغرس الخوف في الضحية ولتبرير وضعهم النفسي كمتنمرين.
وتضيف عليان الى أن هناك العديد من الدراسات تشير أن نسبة التنمر أكثر ضحاياها من فئة الأطفال والمراهقين , لما تتسم به تلك المرحلة بالحساسة و التي لم تكتمل بها نموهم العقلي والنفسي لأنه ليس لديهم آلية للتعامل مع المشكلة التي تؤثر على أدائهم الدراسي حيث أظهرت الدراسات أن الآثار النفسية الناتجة عن التنمر الالكتروني من ضعف الثقة بالنفس وفقدان الثقة بالآخرين وخيبة الأمل والوحدة إلى جانب اضطرابات السلوك والنوم والاكتئاب وفي حالات شديدة تدفع الأطفال إلى إيذاء النفس وقتل بعضهم البعض وانتحروا بعد أن تورطوا في حادثة التنمر، أما فئة الشباب والكبار الأكثر انتشارا يكون التهديد والابتزاز بفضح أسرار الضحايا بنشر صور محرجة وفيديوهات أو أقاويل كاذبة أو تدمير ملفات عمل وسرقة حسابات ، توقع الضحايا في مشاكل أسرية مثل التفكك الأسري أو الطلاق واجتماعية مثل تشويه السمعة أو مهنية كالخسارة المالية للشركة وممكن انهيارها مما يشعر الضحايا بالخوف والعجز والقهر والإحباط والغضب وقلة الحيلة والاكتئاب والانتحار خاصة إذا كانت الضحية من كلا الجنسين ذو شان مرموق اجتماعيا أو مهنيا أو خاصة من في فئة الإناث في المجتمعات المحافظة والمتدين
وتؤكد عليان على ضرورة عمل برامج توعية تثقفية لكافة فئات المجتمع حول التنمر الالكتروني و آليات التعامل معه نفسيا وسلوكيا وقانونيا وخلقيا لحماية أنفسهم وأبنائهم ومن حولهم ،والتأكيد على أهمية الرقابة الأسرية للأبناء ومصاحبتهم ومشاركتهم في استخدام المواقع الالكتروني والإبلاغ عن عمليات التنمر لنشر الأمن ، ضرورة مشاركة المؤسسات التربوية والإعلامية في تعزيز القيم الخلقية والدينية عند الأطفال والشباب للاستخدام الإيجابي الالكتروني بما تتضمنه من عمليات آمان للأجهزة من حذف وحذر وقبول وإبلاغ، إلى جانب تفعيل قوانين حماية الشبكات الالكترونية لتفعيل الأمن الالكتروني ، وضرورة توجه الضحايا التنمر إلى الجهات القانونية والتبليغ عنها لحصر الظاهرة والتعامل معها.
ويرى ميثاق بيات الضيفي ” أستاذ العلاقات الدولية” انه لا يوجد سياسة مخصصة للحماية من التنمر الا ان القوانين المتداولة توفر بعض الحماية, وان الحقوق المدنية وقوانين مكافحة التمييز يجب إن تكون موجودة لحماية المجتمع وأيضا لحماية مجموعات معينة من الأفراد الذين تعرضوا للمضايقات والتمييز كالأقليات الدينية والنساء والمثليات والأقليات العرقية بالإضافة إلى ذلك فقد يستند التنمر على الجنس أو العرق أو التوجه الجنسي وفي حين أنه من المهم أن يكون لدى الدول استراتيجيات متمثلة بقوانين وسياسات لمعالجة التنمر الالكتروني والذي شاع واتسع وفاقت أثاره التنمر الكلاسيكي إلا أن هناك الكثير من التباين من حيث نطاق تلك القوانين والسياسات، فهناك القليل من الممارسات في تنفيذها بالإضافة إلى تأثيرها على مدى انتشار التنمر.
وينوه الضيفي لتطوير الاستراتيجيات التي يمكن استخدامها لوضع سياسة شاملة لدعم مناخ مكافحة التنمر الالكتروني التوجيهية فلابد من بيان الغرض ونطاق السياسات وتعريفها بتحديد الطبقات المحمية التي تعرضت للتخويف والالتزام بمراجعة القوانين المعالجة بانتظام ووضع خطط اتصال لإخطار الوالدين والطلاب والموظفين والتدريب والتعليم للطلاب والشباب والموظفين وأولياء الأمور إضافة إلى الاتفاق مع مواقع وسائل التواصل الالكترونية لوضع برامج للمراقبة وجمع البيانات وتجريم التنمر بجميع إشكاله والعمل على توضيح أن السياسات الحكومية لا تمنع أسر ضحايا التنمر من البحث عن سبل انتصاف قانونية أخرى.
ويؤكد الضيفي على انه يتعين على إدارات الدولة توفير القيادة والتوجيه بشأن استراتيجيات مكافحة التنمر الالكتروني من الناحية المثالية، وعقد مجموعات عمل سنوية لتطوير وتنفيذ المراقبة والمكافحة وقد تمثل القوانين والسياسات الفعالة خطوة أولية في توفير التوجيه وواضعي السياسات الحكومية الذين يعملون لصنع وابتكار مناخ مجتمع إيجابي وتشير الدلائل الناشئة إلى أن استراتيجيات مكافحة التنمر الالكتروني يمكن أن تكون فعالة في الحد منه بين الشباب وواضح أن سياسات “عدم التسامح” ليست فعالة في الحد منه إذ إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لدراسة الاستراتيجيات لتكون فعالة في الحد منه كما ويمكن للدراسات التي تستخدم تحليلات السلسلة الزمنية أن تدرس العلاقة بين القوانين والسياسات المتعلقة بسلوك التنمر الالكتروني بمرور الوقت كما وتضيف تصميمات أبحاث الأساليب المختلطة عنصرًا نوعيًا مهمًا لفهم مشكلة اجتماعية معقدة كما تجري دراسات بحثية إضافية وتقييمات للبرامج وتحليل للسياسات المكافحة لتسلط التنمر الالكتروني والعثور على الوسائل الصالحة لا للتقليل منه وعزله فقط إنما لبتره نهائيا.
وتري سيفين مكي ” أستاذ الفقه المقارن ” انالتنمر الالكتروني له صور وأسباب متعددة , مثل التهديد أو التشهير أو الإكراه وكلها أفعال منافية لمقاصد الشريعة ومخالفة لخطاب الشارع الحكيم, فالشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد فهي إما تجلب مصلحة أو تدرأ مفسدة ,أما هذه الأفعال فهي أبواب للاعتداء على الناس، وإيذائهم، وإشاعة الفتن بينهم، والإخلال بعلائقهم مما يفضي إلى الفساد ،فالنصوص الشرعية جاءت لتحرِّم الاعتداء على الآخرين في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، حيث قال تعالى: “ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .”(البقرة : 190)”, وكذلك قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ…}(النور: 19). وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}(الأحزاب: 58(.
وتشير مكي الي ان أسباب التنمر متعددة فأما اسباب مادية هدفها الحصول على المال أو جسدية هدفها ممارسة الفاحشة أو نفسية هدفها غالبا الانتقام ؛فكل هذه الأسباب صرحت النصوص الشرعية بحرمتها , فمن كان هدفه الحصول على المال بغير حق، نقول له إن أساس المعاوضات ما نص عليه سبحانه في قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]، فهذه الآية الكريمة أصل تشريعي عظيم للأموال في الإسلام. أما من كان هدفه ممارسة الفاحشة فنقول له إن الله قدس العلاقة بين الرجل والمرأة فوضع ضوابط لحماية الأعراض وعدم اختلاط الأنساب فجعل العلاقة بينهما تقوم على ميثاق غليظ وإلا أصبحت علاقة ممنوعة شرعا لا يجوز الاقتراب منها حيث قال تعالى ناهياً عباده عن الزنا، وعن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة} أي ذنباً عظيماً، { وساء سبيلا} أي وبئس طريقاً ومسلكا. وأما من كان هدفه الانتقام نقول له إن مقابلة السيئة ورد الاعتداء والمعاقبة بالمثل لا حرج فيه، طالما كان الاعتداء بحق، وروعي تحقيق العدل في استيفاء الحق واستخلاص المظالم، فقد يصير المظلوم ظالما إذا أخذ أكثر من حقه، أو عاقب بما يزيد على مظلمته ، ولذلك أمر الله تعالى بمراعاة المثلية في هذا فقال: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {البقرة: 194}. وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ: {النحل126}. }.
وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين( الشوري :40) فالانتقام له شروط وضوابط كما صرحت الآيات بالإضافة الي ان الله عز وجل كما تعبَّدنا بالمقاصد والغايات، تعبَّدنا بالوسائل أيضا، لذا لا بد أن تكون طرق مشروعة تتوافق مع أخلاق المسلم ومبادئه. وأكد الخبراء الأربعة على أن التنمر جريمة بحق المجتمع بأكمله , وانه يجب التكاتف لمعالجة ظاهرة التنمر الالكتروني من خلال وضع وسن قوانين جديدة تساعد للحد و القضاء على الظاهرة تدريجيا بعد ان أصبحت ظاهرة تقلق المجتمعات.
اترك تعليقاً