الهشاشة النَّفْسِيَّة . . . !
د .نيرمين ماجد البورنو
الهشاشة النفسية مشكلة تصيب الكثيرين, وهي ظاهرة صاعدة بين الشباب والفتيات والمراهقين مما تجعلهم عرضه لأن تسيطر عليهم المشاعر السلبية والأزمات النفسية والمزاجية والاستغناء بسهولة وتدفعهم للتشبث بأي إنسان وتشعرهم بأنه متيم بهم اعجابا وحبا ظنا منهم انه يحبهم بينما بالحقيقة أنه يعوض ضعفه من خلالهم, وما أكثرهم في زماننا هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي, ويعرف علماء النفس الهشاشة النفسية على انه مصطلح يطلق على شكل من أشكال الاضطراب النفسي والذي يكون فيه الشخص غير قادر على التعايش والتكيف مع محيطة الا بوجود مصدر للدعم النفسي والمعنوي له, وانه حالة غير متزنة يعاني منها البعض مما تجعلهم ضعاف النفس معرضين للتأثر بالعوامل الخارجية كالصدمات نتيجة تعرضهم للضغوط والتوتر المستمر والقلق كونهم لم يتمكنوا من التكيف وبالتالي يصابون بالهشاشة النفسية.
ومن أسباب تلك الظاهرة أن الشاب أو الفتاة ينشأ في بيئة تتسم بغياب القدوة, وتنتج أيضا بسبب المشاكل العائلية والدراسية ويعود لأصل التنشئة وطريقة الأسرة في تربية أطفالها, فتجد الشاب مثلا يقلد أصدقاءه في جمله” خذ سيجارة وانسي” بمعني تجاهل المشكلة دون حلها, وبسبب سياسة التخويف التي يلجأ اليها بعض الأمهات لتجهل طفلها يتوقف عن البكاء عند عدم انصياعه للنوم من خلال سياسة الرعب والتخويف اذ تقوم بتقليد أصوات مخيفة أو ايهامه بالأساطير المرعبة “أبو رجل مسلوخة ” و” السلعوة ” و ” غرفة الفئران” اعتقادا منهم ان تلك التصرفات ستجعله هادئا مطمئنا, بل على العكس تلك التصرفات المرعبة تجعله ينام مضطربا إذ يرى الاحلام المزعجة فيصاحبه الخوف والقلق ويزاد الخوف يوما بعد يوم الي ان يتحول الي صعوبة توافق وتكيف مع البيئة المحيطة به , فضلا عن الخلافات الأسرية والحرب النفسية بين الوالدين من صراخ وشتم وضرب كل هذه الاسباب تجعله طفلا خائفا مهزوزا قليل الثقة بالنفس ذو تفكير سلبي مرتبك عاطفيا يميل الي العدوان والعنف وقد يلجأ الى الانتحار بسبب تعرضه لضغوطات نفسية واجتماعية تجعله يفقد الأمل بالمستقبل ويستسلم للواقع المرير, ويرى خبراء علم النفس أن “احتمالية الانتحار تزيد عشرة أضعاف لدى الأشخاص الذين يعانون من “الاكتئاب العقلي ” وهو المرض الذي يصيب 1% من سكان العالم ، لذلك يجب على الاباء والمربين الحرص على توفير الأجواء النفسية الملائمة لتربية نفسية روحية جسدية سليمة للأبناء بحيث يتمكنوا من شق طريقهم بكل ثبات وقوة ويتحملون المسؤولية.
وتتمثل أعراض الهشاشة النفسية بفقدان الهوية في أي عمل يقوم به فتجده بلا هدف, هائم وضائع يعجب بأي شخص يقابله أو يتحدث معه فتجده يقلد هذا وذاك حتى يصل به الحال ان لا يجد ملامح شخصيته الحقيقية ولا يعرف من هو وماذا يريد وما هدفه ؟ ويكون شديد التأثر بالأحداث البسيطة المحيطة قبل القوية وتجده كثير الشكوى من أتفه الامور ينهار من أبسط الاحداث ويعلق اخفاقاته على الأشخاص والدنيا من حوله بلا سبب فقط لعجزه عن النهوض بقوه مره أخرى وبسبب ضعف شخصيته وقله مهاراته وكثره قلقه وتفكيره في دائرة مغلقه لا تثمر وهو كثير العناد والانقياد.
ببساطة هو فيروس سريع الانتشار والعدوى يتغلغل الى أعماق ابن آدم فيحوله الى كتله هشة قابلة للكسر عند أول سقوط, وقد يكون تأثيره ربما أكثر من فايروس كورونا وغيره من الأمراض يصيب أكثر من نصف سكان كوكب الأرض ويزداد مؤخرا مثل الحساسية والألم وحس الجرح أو الرفض فكل قيس يبحث عن مجنونته وكل ليلي تبحث عن مجنونها المفقود المنتظر فلقد تحول العالم الي ” قيس وليلي ” و ” عنتر وعبلة ” عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير مبالين بالصدق والحب والروح والاخلاص, وان الحب لا يولد بخيالات وافتراضات وتهيؤات بعيده كل البعد عن الواقع الذي نحياه ويعيشون على الهشاشة العاطفية التي صنعتها وغرستها الافلام والمسلسلات الغرامية وعلم الافلاك والنجوم والاغاني التي تتغني بالحب واللوعة والانتظار وتستعذب مرارة الهجر والجحود والانتحار والتنمر مما يكشف عن جانب نفسي مريض يرافق الهشاشة ,او ما يسمى بالجفاف العاطفي. من أخطر ما يفسد سعادة الإنسان في الحياة هو أن يكون ضعيفاً من الداخل يحزن بشكل سريع وتتغير نفسيته من أي كلمه يسمعها ويتعلق بأي انسان ويهيم به ويبالغ في رده فعله بالمواقف التي يخوضها, فيرخي اذنه لمن هب ودب ويقتنع باي فكره مهما كانت بدون التفكير بها وتحليلها تحليلا منطقيا عاقلا وهو لا يعلم بانه هو المسؤول عنها وليس من ادخلها وزعها في عقله, كثير الشكوى والضجر والملل والقلق والتوتر هذه كلها صفات الانسان الهش من الداخل المهزوم نفسيا, وأكبر دليل على ذلك تمزق الروابط الأسرية والاجتماعية والعلاقات التي تترابط وتتكون وتتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كيف تبدأ قوية ومتماسكة وكيف في لحظة بكبسة زر Delete تنهيها بشكل كلي او الحظر تماما فهي تبقي بدائرة العلاقات الافتراضية وهذا ما زاد من هشاشة الروابط الانسانية والاجتماعية , لذا اياك و مصاحبة المحبطين الذين ينظرون للحياة من منظار التشاؤم فيحولونها الى لوحة ليس فيها الا السواد, و حاذر ان يتسلل الفراغ الى وقتك ؛ فيصبح عقلك تربة خصبة للهواجس و الافكار السلبية التي ستجرك في النهاية لمستنقع ذاك المرض, لا بأس من الحزن والبكاء والوجع قليلا ولا بأس ان يغلب علينا اللون الأسود قليلا لكن حتما ستعود باقي الألوان لتحتل مساحات الأمل وستحلق نوارس الابتسامة في فضاءات حزننا وتملؤه بياضا ناصعا وسيطرق الفرح بأنامله الوردية اللطيفة بلور نافذة روحنا ويناجيها فتبض الروح بين أضلعنا من جديد وتوقظ في ذاكرتنا عتمه الليالي الحزينة المتعبة التي اثرت فينا يوما انه مهما ضاقت بنا السبل ففضاءات الروح ستعود حقا وحتما لتروي بدفئها قلوبنا التواقة الى باقة ابتسامة ولأرواحنا عبق الياسمين.
لذا لا تسأل نفسك ماذا يحتاج العالم بل أسال نفسك ما الذي يبعث فيك الحياة من جديد وقم بعمله لان العالم يحتاج الى المنتعشين المتفائلين وتحلى بالقوة النفسية التي هي سلاحك الوحيد في الحياة, ربما يكون العلاج بسيط كأخذ إجازة او التحدث الى صديق وقد يستلزم الأمر استشارة الطبيب النفسي, وتحديد نقاط القوة لدي المصاب والعمل على تعززيها وتقويتها ودفعها بالاتجاه الذي يسمح بالاعتماد على الذات في مواجهة الأزمات اليومية التي تواجهه, والعمل على بث روح الايجابية والقدرة على الاعتماد بالنفس وتحديد الأهداف ومواصلة الحياة ضمن خطوات مدروسة معروفة وجلية, فغياب تحديد الهدف في الحياة يؤدى الى التشتت وشعور الشخص بعدم أهميته وكيانه في المجتمع وهذا ما يجعله يعيش بحاله نفسيه هشة وبالتالي تضعفه وتدخله في متاهات تضره, فالمحارب ليس فقط من يحمل السلاح ويحارب بل أيضا من يملك القوة العقلية والجسدية والنفسية للتغلب على نقاط ضعفه واخفاقاته من أجل المضي قدما, لان النفس جامعه لكل شيء فمن عرف نفسه ووثق بها عرف كل شيء, ومن جهل نفسه وأهملها جهل وفقد كل شيء.
اترك تعليقاً