الأزمة الإنسانية وحزمة الإستجابة العالمية
بقلم الباحثة الأكاديمية سامية بن يحي، تخصص إدارة دولية جامعة باتنة1 / الجزائر
لقد خلقت الكوارث الطبيعية، والحروب، والأمراض المعدية مستويات غير مسبوقة من النزوح القسري أدت الى أزمات إنسانية على نطاق واسع لم يشهد لها العالم مثيلا خلال السنوات الأخيرة ما نجم عنها آثارا بعيدة المدى على السلام والاستقرار العالميين، حيث تصاعد الطلب على الإغاثة الإنسانية، و الحاجة إلى تقديم استجابة إنسانية تتماشى مع المبادئ التوجيهية القانونية، والأخلاقية والمهنية، لهذا لم يعد الفيروس التاجي الجديد هو الأزمة الوحيدة التي تعصف بالإنسانية، وانما إلى جانب هذه الأزمة يواجه العالم اليوم أزمة انسانية أخلاقية أعمق من التضامن والتعاون الدولي بحد ذاته في سياق أوسع يمتد إلى الصحة العالمية، والتنمية المستدامة والأمن الغذائي خاصة مع عمليات الإغلاق الجماعي، وشلل النشاط الاقتصادي العالمي، وفرض حالة العزلة الذاتية والدولية بسبب الفيروس التاجي أين اتجهت معظم البلدان إلى العمل بمعزل عن بعضها البعض، وهو ما يهدد التقدم والازدهار للبشرية ككل، وينعكس سلبا على حجم المساعدات الإنسانية، و صعوبة ايصالها للفئات المتضررة.
ومن هنا تتطلب الاستجابة لهذه الأزمة الانسانية الأخلاقية تعاونًا عالميًا بين الحكومات والمنظمات، و فهم المبادئ والمعايير والقوانين والأطر القانونية، والمهنية التي تحكم العمل الإنساني بشكل عام، والنظرية الكامنة وراءه، من أجل تصميم، وتنفيذ خطة عالمية فعالة لإدارة مثل هذه الأزمات الصحية، وضمان الاستجابة الإنسانية، أمام النقص الفادح في اللوجيستيات، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة باجراءات الاحتواء والتخفيف، وقدرة الدول على منح مواطنيها شبكة الأمان الاقتصادي، والصحي لمواجهة الفيروس، مقابل التفاوتات العالمية المستمرة بين الدول الغنية والفقيرة، حتى نجزم أننا وصلنا إلى لحظة تاريخية تواجه فيها شعوب الدول الفقيرة خاصة في افريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية – والتي يشكل جزءا منها بؤرا للتوترات العالمية على غرار منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا – الاحتمال الحقيقي للموت المحتوم، ناهيك عن تدهور وضع اللاجئين في كل أنحاء العالم، لهذا لا يزال من الصعب فهم التداعيات التي ستخلفها هذه الأزمة الصحية على الوضع الانساني، و قياس قدرة الاستجابة العالمية، وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالا يستحق تحليلا خاصا في هذا المقال لما له من أهمية مفاده: كيف يمكن تنسيق استجابة عالمية من خلال نظام انساني مشترك؟
اذن قبل التعمق في تحليلنا نعرج أولا على بعض المفاهيم التي تدخل في نطاق مقاربة الاستجابة الانسانية، وأبرزها مفهوم الاغاثة الانسانية، حيث عادة ما يشير مصطلح الاغاثة الانسانية humanitarian relief ، أو المساعدات الانسانية Humanitarian Aid عند استخدامه في سياق التمويل إلى الموارد المالية للعمل الإنساني، و تعرفه الأمم المتحدة أنه “مجموعة الخدمات الفورية (إيواء- غذاء-كساء- دواء-…) التي تقدم للمتضررين نتيجة الكوارث والحروب”، فوفقا لميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، يتم التشديد على أهمية تقديم المساعدة الإنسانية لضحايا جميع الكوارث، الطبيعية أو الناجمة عنها” لكن غالبًا ما يتم الخلط بين مفهوم المساعدة الإنسانية و ربطها بمفهوم المساعدة الإنمائية، ومع ذلك يمكن التفريق بينهما، اذ يركز الأخير على المدى المتوسط أو الطويل ، بينما الأول لديه فترة زمنية قصيرة، ويخص حالة الطوارئ، إلا أن هذان النوعان من التدخل يشتركان في الموارد التنظيمية، أما مصطلح “العمل الإنساني” يعرف وفق تعريف الأمم المتحدة على أنه “إنقاذ الأرواح ، وتخفيف المعاناة، والحفاظ على كرامة الإنسان أثناء، وبعد الأزمات والكوارث التي يتسبب فيها الإنسان بسبب الأخطار الطبيعية، وكذلك لمنع وتقوية التأهب عند حدوث مثل هذه الحالات”. علاوة على ذلك ، يجب أن يخضع العمل الإنساني للمبادئ الإنسانية الرئيسية وهي الإنسانية ،والحياد، والاستقلال.
وقد أضيف مؤخرا مصطلح “الصمود الانساني ” Human resilience المألوف في مفردات الجهات الفاعلة في المجتمع الإنساني قبل بضع سنوات، اذ تُعرِّف استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث القدرة على الصمود الإنساني على أنها “قدرة النظام أو المجتمع أو المجتمع المعرض للأزمة على الصمود” وقد بدأت المساعدات الإنسانية بالمعنى الحديث والمنظم تقريبًا مع تأسيس ما يُعرف الآن بالصليب الأحمر الدولية، واتفاقية جنيف، وهي مجموعة من المبادئ للمجموعات التي تقدم المساعدة الإنسانية، ومنذ ذلك الحين نشأت المئات من المنظمات الإنسانية الأخرى، كما تقدم العديد من الحكومات المساعدات الإنسانية في أوقات الأزمات، ولا شك أن أحد مقاصد منظمة الأمم المتحدة التي نص عليها ميثاقها هو “تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية”. وخارج الجغرافيا الوطنية، حيث تحرص أربع كيانات أممية – برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومفوضية اللاجئين، واليونيسيف، وبرنامج الأغذية العالمي – على إيصال المساعدات الإغاثية للمناطق المتضررة، لكن يواجه عمل الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية الآن تحديات متزايدة الصعوبة بسبب وباء كورونا، حيث حذرت وكالات الأمم المتحدة، وجماعات الإغاثة والخبراء الدوليين من أن القيود الجديدة التي أغلقت الحدود والموانئ، وقيدت بشدة حركة الموظفين الرئيسيين من إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية وآسيا تهدد بوقوع أثر دراماتيكي في البلدان التي تعاني من الصراعات، والأحداث المناخية المتطرفة، والأزمات الأخرى، فالقيود الدولية الجديدة الصارمة المفروضة على الحركة بسبب وباء الفيروس التاجي تهدد حياة الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين علقوا بالفعل في حالات الطوارئ الإنسانية.
لكن هناك تشكيك في دور المنظمة الأممية- خاصة بعد تزايد دعوات اصلاح الأمم المتحدة- ومدى قدرتها على ضمان استجابة انسانية عالمية، لذا إذا أردنا القاء نظرة تقييمية للدور اللوجيستي الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة منذ تفشي وباء كورونا يمكننا القول أنه غير كافي، وهو ما عضده آخر تقرير لها مع مطلع شهر ماي الحالي عبر موقعها الإلكتروني، اذ طالبت المجتمع الدولي بتقديم مزيد من الدعم خاصة للفئات الهشة الفقيرة، والدول التي تعاني من الحروب،وصرحت أن الموارد التي تملكها حاليا غير كافية لضمان نظام انساني عالمي عادل، حيث حذرت من أن اليمن وحده يشهد أسوء وأكبر كارثة انسانية ، لذا أطلقت مع منظمة الصحة العالمية حزمة عالمية للاستجابة الإنسانية- يمكن الاطلاع عليها عبر موقع المنظمتين- نذكر أهم المبادرات التي تضمنتها حسب الترتيب الزمني.
- في 1 مارس 2020 أفرجت الأمم المتحدة عن 15 مليون دولار أمريكي من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF) لمساعدة البلدان الضعيفة في مكافحة انتشار COVID-19.
- – في 13 مارس 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية عن إطلاق أول صندوق استجابة للتضامن COVID-19 ليسهل على الأفراد والشركات والمؤسسات الخاصة في أي مكان في العالم الاجتماع معًا للمساهمة بشكل مباشر في مكافحة الوباء.
- – في 23 مارس 2020 دعا الأمين العام إلى وقف إطلاق نار عالمي فوري في جميع أنحاء العالم.
- في 25 مارس 2020 أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خطة الاستجابة الإنسانية العالمية لـ COVID-19.
- في 24 أبريل 2020 أطلقت الأمم المتحدة مع العديد من الشركاء برنامج Access to COVID-19 Tools Accelerator (ACT Accelerator) ، وهو تعاون عالمي لتسريع التطوير، والإنتاج والوصول العادل إلى تشخيصات COVID-19 الجديدة والعلاجات واللقاحات.
أما على الصعيد الدولي من خلال مقاربة منسقة عهد مؤتمر المانحين بتقديم 8 مليارات دولار لتطوير لقاح ضد كورونا، غير أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرح أن مواجهة الجائحة تحتاج إلى خمسة أضعاف هذا المبلغ، حيث قال: “إن مواجهة كورونا ستتطلب أكبر جهد يتعلق بالصحة العامة في التاريخ، و لكي نصل إلى الجميع، وإلى كل مكان سنحتاج على الأرجح خمسة أضعاف هذا التمويل” وهنا نتساءل هل فعلا يمكن الوصول إلى هذا الحد من التمويل، والإمداد اللوجستي ؟ بطبيعة الحال هذا صعب التحقق في ظل هذه الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية – التي تعد من بين أكبر الدول المانحة في العالم- وتراجع ميزانية الإتحاد الأوروبي، وتصاعد التوترات وانهيار الأنظمة الصحية، وضعفها في الدول التي تعاني من أزمات موجودة مسبقًا، وهنا نتحدث عن البلدان التي تواجه أزمات صعبة مثل الكوارث الطبيعية، والظواهر المناخية المتطرفة، والبلدان التي تواجه الصراعات.
و على صعيد المؤسسات المالية قد خصص البنك الدولي ما قيمته 12 مليار دولار كمساعدات عاجلة لمكافحة الفيروس، وقالت المنظمة إنها ستعطي أولوية للدول الأشد فقرا والأكثر عرضة للخطر من حيث توزيع المساعدات لمواجهة تأثير الفيروس على أن تقدم نصف المساعدات مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك، والتي تتعاون مع القطاع الخاص.
وبالنظر إلى هذه المبادرات التي تصب في جهود تعبئة دولية يبقى الوضع الانساني في عديد الدول ينذر بكارثة انسانية،لأن المنظمات الإنسانية أوقفت برامج الإغاثة في بعض البلدان بسبب القيود الحكومية مما تسبب في عدم اليقين، والمشقة للأسر الفقيرة، وبهذا الصدد أفاد المجلس النرويجي للاجئين (NRC) أن القيود الجديدة المفروضة على حركة الفيروس التاجي تعني أنه غير قادرين حاليًا على الوصول إلى آلاف الأشخاص، بما في ذلك 300000 شخص في الشرق الأوسط، حيث قال جان إيغلاند الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي ” بينما تتخذ الحكومات تدابير صارمة تشتد الحاجة إليها لمنع انتشار الفيروس التاجي، فإن ملايين اللاجئين والنازحين ما زالوا يعتمدون على المساعدة الإنسانية، لذا يجب أن يندرج عمال الإغاثة في نفس فئة الموظفين الطبيين، أو تجار التجزئة للأغذية أو الصيادلة، وأضاف أيضا “إن خطر انتشار Covid-19 في مواقع التهجير المكتظة في آسيا والشرق الأوسط، وأجزاء من افريقيا مرتفع للغاية، وسوف تؤدي إلى كارثة إنسانية إذا لم نتمكن من حماية الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة، وقد أدى كل ذلك إلى تفاقم المخاوف من أن ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس التاجي في المناطق التي تقع بالفعل في قبضة حالة طوارئ إنسانية مما يمكن أن يؤدي أيضا إلى تأثير “النقر المزدوج” المدمر على المجتمعات، والأشخاص الأقل قدرة على التعامل مع الوباء ، في وقت ينشغل فيه المانحون الغربيون بتفشي المرض في بلدانهم..” كما صرحت لولا كاسترو المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي لجنوب إفريقيا أن توقف البرامج الغذائية لملايين الأشخاص في البلدان الـ 12 التي يغطونها، والتي شهدت ثلاث سنوات من ضعف المحاصيل بسبب الجفاف سيكون لها “الأثر الحاسم، وهنا تطرح اشكالية جوهرية حول كيفية ايصال مثل هذه الإمدادات الانسانية للدول التي تشهد صراعات.
بطبيعة الحال يعد اليمن من أكثر الدول عزلة في العالم، فبعد خمس سنوات من الحرب أصبح النظام الصحي في حالة انهيار، كما أن البلد يسير على حافة المجاعة، ناهيك عن الأمراض التي واجهها اليمنيون مثل حمى الضنك، والخناق، و الكوليرا، واليوم فيروس كورونا المستجد، فقد أدى القتال بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف العسكري بقيادة السعودية الذي يدعم حكومة البلاد المعترف بها دوليًا إلى ترك البلاد في شبه الجزيرة العربية في حالة دمار، اذ يحذر آرون برنت مدير منظمة كير في اليمن أن تطبيق إجراءات تقييد الحركة سيؤثر بشكل مباشر على توزيع المواد الغذائية التي يعتمد عليها ملايين الأشخاص للبقاء على قيد الحياة، وقد دعت منظمة كير المجتمع الدولي، والدول الأكثر ثراء والمانحين إلى إظهار مزيد من التضامن، والحاجة إلى التعبئة السريعة لمساعدة الدول الأكثر ضعفا على مواجهة هذا الوباء الذي إذا انتشر في أشد البلدان فقراً، فسوف يتأثر العالم كله.
فوفقا لإحصائيات اليونيسيف هناك مليونا طفل يعانون من سوء التغذية الحاد تحت سن الخامسة، وأن الملايين يفتقرون حتى إلى الصابون وإمدادات مياه ثابتة، كما صرحت منظمة إنقاذ الطفولة أن اليمن لا يمتلك سوى 700 سرير لوحدة العناية المركزة بما في ذلك 60 سريرًا للأطفال، و 500 جهاز تهوية لعدد سكان يبلغ حوالي 30 مليونًا،كما تواجه الأمم المتحدة أيضا أزمة تمويل لليمن، ويعود السبب في ذلك إلى قطع الولايات المتحدة الشهر الماضي عشرات الملايين من الدولارات من المساعدات لليمن بحجة أن المتمردين الحوثيين يقومون بتحويل مسار المساعدات.
وحسب احصائيات المجلس النرويجي للاجئين شهد اليمن ارتفاعًا كبيرًا في الاحتياجات الإنسانية منذ بداية الحرب، حيث ارتفع عدد اليمنيين المحتاجين من 21 مليون في عام 2015 إلى 24 مليون مع نهاية 2019 ما يمثل 80 في المائة من السكان، و ارتفع عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من مليون في عام 2015 إلى 3.6 مليون بزيادة قدرها 365 في المائة، كما زاد عدد الجوعى من 12 مليون في عام 2015 إلى 20 مليون مما دفع اليمن إلى حافة المجاعة.
وفي إفريقيا أعلن برنامج الأغذية العالمي في آخر احصائية له مع بداية شهر ماي 2020 أن أكثر من 40 مليون شخص في أنحاء غرب إفريقيا سيواجهون نقصا يائسا في الغذاء في الأشهر المقبلة مع قيود “كوفيد 19” بالمقابل أطلقت وكالة الأمم المتحدة تحذيرا مماثلا بشأن ارتفاع كبير محتمل في انعدام الأمن الغذائي العالمي في شرق افريقيا كنتيجة مباشرة للوباء، وأوضحت أن أكثر من 21 مليون شخص في غرب إفريقيا سيكافحون من أجل إطعام أنفسهم بسبب التأثير الاجتماعي والاقتصادي لـ COVID-19 في الأشهر الستة المقبلة مضيفة غامبيا وبنين إلى قائمة البلدان المحتاجة، لذا يحتاج برنامج الأغذية العالمي بشكل عاجل إلى 574 مليون دولار إضافية لتقديم مساعدة حاسمة للأشهر الستة المقبلة في غرب إفريقيا ويتوقع برنامج الأغذية العالمي نقل ما يعادل 37 طائرة من طراز بوينغ 747 خلال الأسابيع الستة القادمة من الصين، وماليزيا إلى 130 دولة حول العالم بمجرد اكتمال الخدمة، وتشغيلها يمكن أن تصل إلى 350 رحلة شحن و 350 رحلة ركاب أخرى على أن تطير كل شهر، في حين أرسل برنامج الأغذية العالمي أكثر من 300 طن متري من البضائع الإنسانية، والطبية إلى 89 دولة منذ أواخر شهر جانفي، ودعم الحكومات والشركاء الصحيين في استجابتها لكوفيد -19، كما يقوم برنامج الأغذية العالمي بتركيب خدمة جوية إقليمية للركاب لنقل العاملين في المجال الإنساني والصحي في جميع أنحاء شرق وغرب إفريقيا للتغلب على انقطاع الخدمات الجوية التجارية، ومع ذلك يمكن أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الشديد في جميع أنحاء العالم تقريبًا من 135 مليونًا إلى 265 مليونًا نتيجة COVID-19 وفقًا لتوقعات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال لا تملك العديد من البلدان التي تواجه أزمات غذائية حادة – اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وأفغانستان، وفنزويلا وإثيوبيا، وجنوب السودان، وسوريا والسودان، ونيجيريا، وهايتي – الموارد اللازمة للقيام باستجابات واسعة النطاق ضد الفيروسات التاجية حسب تقرير سنوي عن انعدام الأمن الغذائي العالمي تم إعداده قبل تفشي الوباء، كما أغلقت جائحة الفيروس التاجي ثلاثة أرباع من عمل المنظمات الشريكة لهيفوس شرق إفريقيا وهي منظمة غير حكومية تقدم المنح والمنح الإنسانية تعمل في كينيا وأوغندا وتنزانيا.
وبالنسبة للسودان حاصر جنود جنوب السودان قواعد الأمم المتحدة لحفظ السلام، والمحاور الإنسانية في جوبا وملكال عندما اندلعت أنباء الإصابة بفيروسات التاجية في منتصف شهر أفريل، وبما أن السودان لا يزال على قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، فمن غير المؤهل الوصول إلى صندوق الطوارئ التابع لصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار لمساعدة الدول الضعيفة على محاربة فيروس كورونا COVID-19 .
أما في سوريا بعد تسع سنوات من الحرب يُقدر أن 11 مليون شخص- حسب احصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية – بحاجة إلى المساعدة داخل سوريا بما في ذلك ما يقرب من مليون شخص فروا من الحملة الحكومية الأخيرة في الشمال الغربي الذي يسيطر عليه المتمردون (يقدر عددهم بـ 854000 ممن لم يعودوا إلى ديارهم) والعديد من النازحين، حيث يختلف تأثير استجابة COVID-19 وقيود التأهب باختلاف الموقع، اذ يسيطر المتمردون على بعض الأجزاء من البلاد، بينما تسيطر حكومة الرئيس بشار الأسد على أجزاء أخرى، في حين لا تزال السلطات الكردية تحت سيطرة آخرين، وقد قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الصحة العالمية أن متطلبات الحجر الصحي والقيود المفروضة على الحركة تعطل قدرة عمال الإغاثة على الانتشار في سوريا خاصة الدوليين الذين قد لا يتمكنون من دخول البلاد على الإطلاق.
وأمام هذه الوضعية لا شك أنه سيتبادر لنا سؤال آخر يتمحور حول وضعية اللاجئين
الجدير بالذكر أنه تمت استضافة أكثر من 80 في المائة من اللاجئين في العالم وتقريباً جميع النازحين داخلياً في العالم في البلدان المنخفضة، والمتوسطة الدخل، حيث كثيرا ما يواجهون تحديات، ونقاط ضعف محددة يجب أخذها بعين الإعتبار في عمليات الإستعداد والإستجابة لـ COVID-19 لذلك تسعى المفوضية السامية للاجئين الحصول على 255 مليون دولار أمريكي لمساعدة البلدان ذات الأولوية التي تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين للوقاية من الفيروس التاجي، والتصدي له، لذا بشأن هذا الصدد قالت المفوضة السامية “إن أسوأ الأزمات تتطلب أفضل ما في الإنسانية، لقد حان وقت العمل، و لا يمكننا منع المرض من الانتشار إلا بدعمكم”
وقد قال جيريمي ويلارد ممثل آسيا في المجلس الدولي للوكالات التطوعية- وهي مجموعة شاملة من المنظمات غير الحكومية- “إن المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون، والقيود العالمية على السفر تجبر مجموعات المساعدة على إعادة التقييم عندما يكون السفر ضروريًا بالفعل” حيث أعلنت الأمم المتحدة بتاريخ 17 مارس 2020 وقف السفر لإعادة توطين اللاجئين حول العالم بسبب المخاوف والقيود المتعلقة بوباء COVID-19 مست بشكل أكبر ليبيا الدولة التي بها ما يقدر بـ 645000 مهاجر و 356000 نازح داخليًا حسب احصاءات المفوضية السامية للاجئين، والتي تعاني من وطأة عام من القتال، أما في بنغلاديش أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا ينتقد الأوضاع في مواقع الحجر الصحي في البلاد ، وقالت إن العديد من المنظمات الإنسانية مُنعت من تقديم المساعدة، كما حذرت من تهديد ضعف الخدمات الحيوية في مخيمات الروهينجا خاصة بعد اجراءات الحجر، حيث يعيش في مخيمات اللاجئين الروهينجا المكتظة قرابة 900.000 شخص، وتم تقليص وصول العاملين في المجال الإنساني بنسبة 80 بالمائة.
نافلة القول، ومن خلال ما سبق عرضه عبر هذا المقال يمكن القول أنه رغم كل المبادرات والمحاولات لخلق نظام انساني مشترك، إلا أنه لا يوجد التزام، أو نظام عالمي للإبلاغ عن الإنفاق على المساعدة الإنسانية الدولية أو المحلية، وكثيراً ما تتفاقم محدودية الامدادات الإنسانية نظرا لغياب الجهات الفاعلة الدولية الأخرى في حالات الطوارئ المعقدة، اذ غالبًا ما كانت مساعدات الإغاثة الإنسانية الشكل الأكثر وضوحًا، إن لم يكن الشكل الوحيد للمشاركة الدولية في الأزمات طويلة الأمد، لذا في هذه السياقات هناك ميل أكثر نحو إنتقاد الإغاثة العالمية لفشلها في تحسين الوضع، وتمكين التحرك نحو نهج التعافي المبكر من وطأة التخلف، ومع ذلك لم تدّعي المساعدة الإنسانية أبداً أنها تهدف إلى تحقيق ذلك، أو أنها أداة غير مناسبة تمامًا لهذا الغرض، بل إن المشكلة تكمن في عدم وجود أشكال أخرى من الانخراط الدولي الإنساني في مختلف الأزمات، وهذا ما جعل وكالات الإغاثة تكافح للحصول على الإمدادات في البيئات الهشة التي يعيقها انهيار سلاسل التوريد العالمية من أجل سد الفجوة في الخدمات الأساسية مما يضمن بقاء المستجيبين الإنسانيين في الخطوط الأمامية للأزمات الإنسانية.
البريد الإلكتروني : samia20171935@outlook.fr
اترك تعليقاً