القراءة أجمل صنوف الإدمان…!
د. نيرمين ماجد البورنو
تعتبر القراءة اللبنة التي تبني بها الحضارات وعليها يقاس تطور أي مجتمع بمدى ثقافة أفراده واطلاعهم على مجريات الأحداث والتاريخ, فهي الأساس الذي تقوم علية الحضارات فلا سبيل للإبداع والابتكار الا من خلال القراءة, وتعتبر من أهم وسائل التعليم في حياة الانسان والمجتمعات لان القراءة تغذي الروح والقلب وتسهم في تنوير العقول والأفكار والرؤي والمعارف ومن خلالها يعرف الإنسان حضارات العالم وكل ما هو جديد من الأحداث التي تدور حوله وتنفعه في سائر مجالات الحياة , لذا ينبغي على الإنسان أن تكون لدية حياة روحانية ثرية ولا داع أن تكون مقتصرة على مجال أو تخصص بعينه, بل ثقافة واسعة, فالإنسان القارئ يفتح لنفسه عالما خاصا مميز يجعله من الطبقة الراقية على المستوى الفكري والثقافي حيث يكون لديه الكثير من الدلائل والمعلومات والمصطلحات والتركيبات اللغوية عن أي موضوع وتحافظ على الصحة وتضفي جمالا على الملامح وتزداد فصاحته وثقافته وينطلق لسانه وتتحسن مهاراته الكتابية.
رغم انتشار ثقافة المطالعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية الا ان شغف القراءة ونكهة الورق ورائحة الحبر بقيت جذابة للقارئ, تأخذ مجراها في النفس وتصب في العقل وكأنها دماء ذكية في العروق, وتعتبر الأمم القارئة هي الأمم القائدة والذين يقرؤون هم الأحرار؛ لأن القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف والتبعية, فالقراءة إذن كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة, وهي تعمل أيضا على تنمية المعارف وتوسيع المدارك وتصحيح وتطوير مفهوم الحياة بل وتحسين نوعية الحياة, وذلك من خلال تناقل المعارف بين شعوب الأرض, وتستطيع أن تخرجك من الظلمات إلى النور, إن للقراءة أثرا واضحا ومباشرا على التخلص من الإجهاد والتوتر، وقد لوحظ تأثير القراءة لـ 6 دقائق على تهدئة معدل ضربات القلب بصورة واضحة, إن القراءة هي روح الإنسان وشخصيته وكيانه, قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت, هكذا تحدث أحد الحكماء، فبدون قراءة يذبل عقل الإنسان ويخفت بريقه.
برغم كل وسائل الحياة الترفيهية التي غزت مجتمعاتنا الا اننا نري بكل وضوح وتميز وتألق الكثير من الفنون بتعدد أشكالها وأغراضها وانماطها تسد روح وحاجة الفرد المتعطشة لكل ما هو جميل ونبيل وانساني بتفان فقد ترك لنا التاريخ ارثاً كبيراً من أقلام ابدعت وسطرت في كل ميادين الفن والأدب والعلم والشعر الذي يحاكي روح الخير والحب والصدق والإنسانية والاخلاص, فكم من شاعر عاش فقيراً معدماً لكنه أغنى العالم بما تركه من علومه وأدبه وكتاباته.
كثير من الناس يفكرون ويترددون كيف يقضوا الإجازة الصيفية, فمنهم من يعتبره فرصة للسفر خارج الوطن, ومنهم من يفكر في التردد على المنتجعات لينال قسط من الراحة والاستجمام, ومنهم من يفكر في ممارسة نشاط ما يعود عليهم بالفائدة المادية أو المعنوية, ومنهم من يعقدون العزم على قضاء فصل الصيف في القراءة والكتابة من أجل تنمية معارفهم وتوسعه مداركهم, ويعتبرون القراءة كالهواء الذي يستنشقون منه ولا يستطيعون العيش بدونه, ويعتبرون القراءة أيضا خير جليس واستنارة للذهن وتهذيب للذوق وتنمية لملكة الحكم والنقد لدى الفرد لأنها تساهم في تشكيل الذهن والرؤية, وتراكمية فعل القراءة يشكل الموقف والرأي ويتسلل خلسة إلى مناطق تشكيل الوعي, لتبقى المعلومات المختزنة في الذاكرة حية حاضرة في الذهن سهلة الاسترجاع, وهل أجمل من قراءة جواب برنارد شو على سؤال بسيط لإحدى السيدات, وكان ذا ميول اشتراكية, عن الرأسمالية, فأشار إلى صلعته ولحيته وقال بإيجاز شديد: (غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع).
ليست العبرة في كثرة القراءة بل في القراءة المجدية المتفحصة, فالقراءة ليست هواية فقط بل غذاء للروح والعقل يقول جراهام جرين الروائي الإنجليزي “أحيانا أفكر أن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب أكثر مما أسهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة” فالذين يقرأون يخوضون تجارب أمم سابقة ويعبرون ويزورون مدنا وأماكن لم يروها الا بين دفتي الكتب , فلا بد أذن أن نقرأ لنعيش ونعيش لنمارس ونعشق الكتاب, فالقراءة بمثابة الصديق الحميم الذي لا يملك وتزودك بالعلوم وتطلعك على الأخبار, لذا يجب الارتقاء بالعقول للخروج من نفق الظلمة والتشجيع على القراءة لتحصين الأجيال القادمة وتوسيع هامش القراءة ليشمل جميع القضايا الاجتماعية والإنسانية والوطنية فالقراءة تنتج وعيا وسلوكا وانتماء يشكل عاملا داعما في عملية بناء الانسان والمجتمع وإصلاحه وتنميته تنمية شاملة, لقد قال أفلاطون ” إن الجهل هو منشأ كل الرذائل”, ومع انعدام القراءة يكثر الجهل والفقر والمرض والكذب والقتل كلها تنشأ بسبب الجهل, لكن على النقيض مع القراءة يصبح الإنسان إنسانا بحق, عاقلا بحق, وفاضلا بحق.
فلن يكون للإنسان إذن قيمة إن لم يسأل وإن لم يقرأ وإن لم يغذي فكره وقلبه وروحة بالقراءة فهي سبيله نحو عالم مشرق وأفضل, ولقد أخطأ “فوكوياما ” فلم ينتهِ التاريخ طالما مازال الإنسان عاقلا وبعقله قادرًا على طرح أسئلة جديدة دائما وقادرًا على الإجابة عنها بإجابات جديدة أكثر موضوعية وأكثر دقة، وهناك دلائل كثيرة من الحكام والعظماء والقادة الناجحين والمتحدثين البارعين والاعلاميين والمؤلفين والروائيين هم مغرمون بالقراءة فالقراءة هي صفة تميز الشعوب الراقية والمتقدمة والمبدعة عن غيرها, وما الإنسان إلا ما قرأ يا صديقي وما نحن إلا ما نقرأ.
اترك تعليقاً