مَوْهُومُ المَعْرِفَة !!!
د .نيرمين ماجد البورنو
ساهمت الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بتفشي ظاهرة خطيرة في مجتمعاتنا بكثرة ألا وهي وهم المعرفة ؛ يعتقد الكثيرون أنهم يعرفون من العلوم بمستوي يؤهلهم في أن يفتّوا بكافة التخصصات يؤهلهم للحديث عنها من خلال معرفة بعض المعلومات التي اكتسبوها من هناك وهناك وهنا تكمن المشكلة الحقيقية ؛ فنجد الكثيرين يعتقد أن الجهل هو الخطر الأكبر على البشرية بينما الخطر الحقيقي عليها هو “وهم المعرفة “؛ وهو أحد انحيازات الدماغ البشري فلا أحد يفلت من هذا الوهم مهما بلغ من العلم , لان كل إنسان مصاب به ولكن بنسب ودرجات متفاوتة؛ فأي بلادة معرفية تلك التي أَصابتنا؟؟؟ وأي متلازمة جهل تغلغلت في عروقنا ؟؟؟ وأي جنون عظمة تفشى في مجتمعاتنا ؟؟؟ وأي شهادات وعاهات باتت تدعي العلم والثقافة ؟؟؟
في الحقيقة الكثير من الناس مصابون بما يسمي وهم المعرفة وتضخيم الأنا ؛ فهناك من تختلط عليهم المفاهيم ولا يميزون بين الجهل ووهم المعرفة بنوعية ” المركب والبسيط ” ؛ فالجهل المركب هو جهل الإنسان بأنه جاهل ؛ والجهل البسيط هو أن يجهل الانسان علما ما ولكنه يعلم ويعرف بأنه جاهل به فلا يخلو إنسان في هذا الكون من هذا الجهل مهما بلغ من العلم لمحدودية عقل الإنسان ؛ ووهم المعرفة قسمان فهناك إنسان يعتقد بأنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية , وهناك نوع اخر وهو الاشتباه على الامر بين الاطلاع والمعرفة وهذا عادة يكون جليا بين طلبة المدارس والجامعات وخصوصا في المواد العلمية مثل الرياضيات والكيمياء والفلسفة فيظن الطالب انه عرف المادة واستوعبها بالكامل بينما هو فقط فهم الفكرة بشكلها العام , وعند البدء في حل المسائل وتحليلها تبدو عليه اثار الحيرة ويقع في الاخطاء والارتباك؛ لهذا يعد وهم المعرفة أخطر من الجهل المركب لان الجهل المركب يضر بصاحبة بينما وهم المعرفة يضر صاحبه ومن هم ضمن دائرته ؛ ولان كبريائنا يمنع عقولنا من تقبل فكرة الشعور بالنقص والجهل، ولذلك نلجأ إلى مساحة الراحة والتظاهر بالمعرفة، فأنت لا تعرف الكثير من الأشياء، ولا تريد حتى السؤال عن ذلك خشية الشعور بالنقص وعدم المعرفة ؛ ان الذي ينقذنا من هذا المستنقع هو الفضول والسؤال الذي يجعل الإنسان يعترف بنقصه ويتنازل عن كبريائه الخادع ويبحث عن المعرفة بكل صدق وتواضع وشفافية ؛ فرأسمالك في الحياة علمك وعدوك هو جهلك؛ وقد قال جبران خليل جبران “أنا لا أعرف الحقيقة المجردة ولكني أركع متواضعا أمام جهلي , وفي هذا فخري وأجري “؛ ويقول ادم سميث ” العلم هو الترياق المضاد للتسمم بالجهل والخرافات”.
إن معظم المشاكل التي نعاني منها في مجتمعاتنا من أنصاف المتعلمين الذين تزدحم بهم منصات المعرفة ووسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات والمجلات والصحف وهو عدم قدرتهم على التعرف على مساحة الوهم المعرفي في ذواتهم وما يترتب عليه من تقديس للرأي وتعصب للفكر ؛ وتعد تلك سيكولوجية “الواهم معرفيا” والتي تعكس ما يعانيه الفرد من تعال على المعرفة ليست الا حاله من حالات الرفض اللاشعوري والتمرد على القيمة المعرفية وأربابها الحقيقيين والخطورة الأكبر عندما يمارس مثل هذا الوهم المعرفي عمليا ويطبق في المدارس والجامعات والمنابر والمنتديات وحتى في المجالس العامة ؛ لقد بتنا نعيش في زمن يتباهى فيه الناس بشهاداتهم العلمية بحيث يعني الحصول على شهادة تعليمية رفيعة مكانة اجتماعية وبريستيج عال في المجتمع فنجدهم يتحدثون ويجادلون في كل شأن لا يعرفونه بغية نيل أكبر عدد من المتابعين متوهمين بأنهم خبراء ومختصين ويصبحوا في ليله وضحاها علماء ومفتيين وهم في الحقيقة أشخاص منفرون بنرجسيتهم الطاغية وثقتهم العمياء فنجدهم لا يستجيبون لأي نصيحة ولا يحترمون أي رأي اخر الا رأيهم ؛ وعلى النقيض هناك أصحاب الشهادات العلمية الذين يجدون القابهم العلمية دليل حكمة وذكاء وفطنه وحنكة فتزيدهم جمالا وعلما وأخلاقا ونورا.
وعلاج وهم المعرفة يكون في البداية عن طريق إدراك وجود المشكلة والبدء في رحلة استكشاف بحر الجهل لدى الفرد نفسه ؛ والعمل على تنميته وصقله من خلال الاطلاع والقراءة والسؤال عما يجهله وعن طريق بذل الجهد لاكتساب المعرفة الجديدة وكيفية تلقي المعرفة بشكل سليم ومعرفة المزيد من التعلم والمهارات والمعرفة هي اتصال الافراد ببعضهم عبر الشبكة العنكبوتية ؛ ومن خلال الاطلاع على الكثير من الثقافات الاخرين لأنه بذلك يوسع مداركه ؛ فالمعرفة هي السعي خلف الاشياء الغامضة لمعرفتها وفك شيفرتها ؛ فالمعرفة تجعل الانسان يستطيع أن يميز بين الخطأ والصواب ؛ ويجب أن ندرك هناك الكثيرون من الناس لم يتعلموا أو لم يصلوا في تعليمهم إلي المؤهلات العليا، وبالرغم من ذلك لديهم معرفة في كثير من الأمور الحياتية التي من خلالها يحصل على التجارب والخبرات في الحياة، عندما يستمر الإنسان في طريقه إلى المعرفة فهو يعرف ببواطن الأمر، لمعرفة أنواع عديدة منها المعرفة الشخصية، المعرفة الحسية، المعرفة العلمية، ولا تقل أي نوع من أنواع المعرفة عن الأخرى، فكل نوع له أهميته ودوره في المكان والوقت المناسب له؛ إذن تبدأ المعرفة، بمعرفة الأوهام، من ضمنها وهم المعرفة؛ أن تعرف هو أن تدرك إلى أي درجة أنت واهم !!!
اترك تعليقاً