السَّلَام الذِّهْنِيّ …!
د .نيرمين ماجد البورنو
ما أجمل شعور الإنسان حين ينسي ويتجاوز عثرات الزمن والأيام ؛ فالتجاوز والتغافل لأوجاع شربت من عمرنا السنين بحد ذاتها قوة ؛ فلن ينسي الله ابداً قهراً ابتلعته ولا ظلماً مزق عروقك وأوصالك مراً فتجاوزته ؛ ربما تشعر في بعض الأحيان بالكره والبغض للذين أفسدوا عليك قدرتك على الحب والعطاء والذين أفسدوا قدرتك على العفو والغفران ؛ وربما تكره من تعمق في ذاكرتك حتى أفقدك قدرتك على النسيان؛ فقد يمر بجانبك صديق قديم منذ الطفولة يحدق فيك قائلا : لقد عرفتك رغم خطوط عينيك واشتعال الشيب في رأسك وضعف بصرك ؛ لكنني عرفتك من روحك في السلام الذي يغمر روحك وقلبك ؛ كثيراً ما كنا نسأل البعض ما هي أمنيتك بذكري ميلادك فيقول السلام الداخلي ؛ فهل السلام والحياة المحمومة أضحت أمنية بالفعل لدي البعض لينعم بها في حياته بسكينة !!! وكيف السبيل لتحقيق السلام الداخلي !!! وكيف أعيش بسلام في مثل هذه الظروف!!!
تعتبر مسألة تصالح المرء مع ذاته، وتحقيق السلام الداخلي، من الأمور التي باتت صعبة في عصرنا الحالي ؛ إذ إنّنا أصبحنا نادراً ما نجلس مع ذاتنا ربما بسبب الضغوطات سلبية العديدة التي تعصف في حياه الإنسان أما بفعل الظروف والعوامل المحيطة به فيعمل كل ما بوسعه حتى يستعيد صفاء ذهنه وباله ليحقق أهدافه وطموحاته التي يطمح لها بقوة وعزيمة وتفاؤل ؛ وهناك نصائح عديدة لصفاء الذهن؛ فالرياضة مثلا تنشط الدورة الدموية فتشعر الفرد بالراحة والطمأنينة ؛والرحلات تعمل ايضا على تهدئه الاعصاب وتزيد الصبر ؛ وينصح الاطباء أيضا بتناول الشكولاتة خصوصا الداكنة منها لأنها تعمل على الاسترخاء بفضل احتوائها على هرمون مضاد للاكتئاب ؛ والعمل على تصفية الذهن من خلال التأمل لأنها تحفز الطاقة الايجابية وتعدل المزاج , وأخذ قسط كاف من النوم يساعد العقل على حل الكثير من المشاكل ويزيد من الذكاء ويقوي الذاكرة , والعمل على نبذ الخوف لأنها تشبه بالحاجز الذي يمنع الشخص من تحقيق أحلامه وطموحه ؛ لذا يجب طرد المخاوف من داخلنا لكي نوفر مساحة كافية لصفاء الذهن ؛ وممارسة هواية أو قراءة كتاب ممتع والجلوس في مكان هادئ لان كل تلك الممارسات تخلصنا من التوتر والقلق وتخلصنا من الطاقة السلبية , لان الانسان أساسا يولد بفطرة سليمة أساسها الحب والإيمان والسلام وعندما يتعرض لمشاعر سلبية تبدأ تظهر عليه علامات التوتر والقلق والاستسلام ومن ثم الدخول في دوامة الحزن والكبت والانسحاب التي قد تصل به حد الاكتئاب.
فالسلام الذهني هو أن تعقد وتعاهد نفسك على الصلح مع ذاتك فتكف عن لومها ومعاتبتها وتعدها على المزيد من التشجيع والتحفيز والتطور وأن تبعث في نفسك الثقة ؛ وأن ترتشف كاسه الشاي وتشعر بأنها تغلغلت في روحك وجرت في شرايينك فأيقظت جوارحك وتسللت الي حواسك لتثبت في نفسك الرضي والعزيمة والإصرار والطمأنينة ؛ وتعلمك أن النضوج هو الابتعاد عن أشخاص ومواقف تهدد سلامك الذهني وتعني باحترامك لذاتك وقيمك وأخلاقك ؛ فعليك أن تصنعها و تنكب في بنائها، فتشبعها بالقيم و المبادئ التي لا تحيد عنها، فالصدق مع النفس واجب وأساس السلام الداخلي القناعة ، وأن تعرف تقرأ ما بين السطور وتبلور فكرة وتحللها في عقلك بمنطق سليم وانسجام كامل ؛ والسلام أن تري ما وراء الكواليس فتنعم بخيالك وهو يصارعك على مواقفك الغير منطقية في بعض الاحيان ؛ فكما قال العرب القوي في الحرب قوي في السلم ؛ ويؤكد الامبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس : «إن الذي يعيش بسلام مع نفسه يعيش بسلام مع العالم»؛ لا بدّ إذاً من التصالح مع الذات للتمكن من التصالح لاحقاً مع العالم. لهذه الغاية لا بد من التمتع بالسلام الداخلي وراحة البال، والابتعاد عن كل الضجيج والفوضى، واللجوء في المقابل إلى الهدوء والسكون بكل الوسائل الممكنة؛ ورافق اناسا يتمتعون بالإيجابية متفائلين بالحياة ، فالحصول على الهدوء النفسي يبدأ من داخل الانسان عندما يقرر بذاته ان يكون هادئا في ردود أفعاله لأن السعادة معدية, والحاجة الي ترسيخ قيم السلام وتدريب الناشئة على تقنيات ومهارات تخفيف التوتر والقلق وتخفيف الشحنات السالبة من حياهم لأن أول منازل الراحة النفسية تبدأ بقبول الذات وتحمل المسؤوليات وتقبل العثرات والعزم على تجنبها فمن يتصور أنه يستطيع تحقيق كل مراده دون عوائق فهو شخص حالم واهم ؛ إذن اقبل نفسك وتناغم معها وتوقف عن إحباطها بالمقارنات غير العادلة وأصلح ما تستطيع إصلاحه وتعلم قبول ما لم تستطع إصلاحه ؛ صالح نفسك تصفو حياتك لان مصالحتك مع نفسك وترويضها يعني أن لا شيء في هذا العالم الفسيح قادر على هزيمتك …
اترك تعليقاً