مراحل تطور الجنسية الفلسطينية “
أ.د. حنا عيسى
ما هي الجنسية؟
كما هو معلوم هنالك عدة اتجاهات في تعريف الجنسية في القانون المقارن نذكر منها:
“انتساب الفرد (قانونا) للشعب المكون للدولة”
“رابطه (سياسية) بين الفرد والدولة. يعتبر الفرد بمقتضاها من العناصر المكونة للدولة”.
“رابطة (قانون وسياسة) بين الفرد والدولة”.
نلاحظ من هذه التعريفات ان هنالك اختلافاً في تعريف الجنسية. ففريق رجح العلاقة القانونية بين الفرد والدولة، وفريق اخر رجح الجانب السياسي، وفريق ثالث جمع بين الاعتبارات السياسية والقانونية للجنسية. الا ان الجميع يعتبر الجنسية رابطة الدولة. لذلك فان الجنسية تقوم على ثلاثة اركان لا بد منها هي (الفرد، الدولة، علاقة بينهما)، على خلاف في نوع هذه العلاقة.
وربما يكون الرأي الذي غلب الجانب القانوني هو الرأي الاصح، لان القانون المحلي وحده الذي يمنح ويسحب ويحدد تفضيلات الجنسية واثارها، اما الجانب السياسي فهو أحد هذه الاثار. كما ان الفرد قد يكون تابعاً قانوناً لجنسية دولتين او أكثر ولكن لا يمكن ان يكون تابعاً سياسياً لاكثر من دولة الا في نطاق محدود.
ومع ترجيحنا للجانب القانوني الا اننا لا نرى ان هذا الجانب من طبيعة سياسية، فقانون الجنسية هو قانون ذو طابع سياسي، كالقانون الدستوري.
والجنسية حق من حقوق الانسان، فلكل فرد الحق في جنسية دولة ما، ولا يجوز ان يتم بشكل تعسفي حرمان اي شخص من جنسية ولامن حقه في تغييرها.
وهناك عدة انواع من الجنسية، اهمها: الجنسية الاصلية، ويحصل عليها الفرد عن طريق حق الدم، وهو تبعية المولود لجنسية ابويه او أحدهما. وقد يحصل عليها كذلك عن طريق حق الاقليم، اي عن طريق الولادة على اقليم الدولة.
والدولة قد تتبع أحد المبدأين وكلاهما. هناك ايضاً الجنسية المكتسبة. وهذه تكون عن طريق التجنس او الزواج او انتقال الاقليم من سيادة الى سيادة دولة اخرى.
تعبر الجنسية عن فكرة السيادة للدولة، وتخول المواطن التمتع بالحقوق السياسية، كحق الانتخاب والترشيح، وحق تولي الوظائف العامة، وتفرض عليها بعض الواجبات، كواجب الخدمة العسكرية والدفاع عن دولته والولاء لها.
وقد يكون الفرد متعدد الجنسية إذا كان يحمل جنسيتين او أكثر. وقد يكون عديم الجنسية إذا لم يكن يحمل اي جنسية. وقد ينشأ عن التعدد والانعدام مشكلات قانونية، واحياناً سياسية، لذلك فقد وجد العديد من الاتفاقات الدولية بشأن التعدد والانعدام، ولكن ينبغي التأكيد على ان موضوع الجنسية في كل دولة هو من الشؤون الداخلية.
الفرق بين الجنسية والمواطنة والموطن والاقامة: –
يرى البعض ان هناك فرق بين الجنسية والمواطنة. فالجنسية هي الحالة التي يصبح فيها الفرد موطنا كاملا في الدولة ويتمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي تمنحها الدولة للافراد. اما المواطنة فهي اقل مرتبة من الجنسية، وهي حالة تمهيدية يصبح الشخص بعدها متمتعا بجنسية كاملة، فالمواطنة يتمتع الفرد في ظلها بجنسية الدولة، ولكن لا يتمتع بكامل الحقوق، كالحقوق السياسية مثلاً.
ولكن الراجح برأينا انه لا فرق بين الجنسية والمواطنة فكل من يحمل جنسية الدولة فهو مواطن، وكل مواطن يحمل جنسية دولته.
واما الاقامة: ان يقوم الشخص الاجنبي بقضاء فترة زمنية على ارض دولة غير دولته، الامر يخوله بعض الحقوق ويفرض عليه بعض الواجبات. وقد تكون الاقامة دائمة وقد تكون مؤقتة ولكل منها اثرعلى الجنسية. فمعظم الدول تجيز الاجنبي الذي يقيم على اقليمها مدة معينة (كعشرة سنين مثلاً) بالتجنس بجنسيتها إذا توافرت فيه شروط اخرى يحددها قانون كل دولة على حدة.
واما الموطن: فله تعريفان رئيسان:
ففي البلاد ذات النظام القانوني اللاتيني يعرف المواطن بأنه: مكان الاقامة الدائمة او العادية للشخص او مكان مركز اعماله الرئيسية. واما في البلاد التي يسود فيها نظام القانون العام فيعرف الموطن بأنه: القطر اي المقاطعة او الولاية داخل الدولة الواحدة الذي يعتبره مقر الدائم. ومن هذا نلاحظ ان الموطن يقوم على اساس ارتباط الفرد ” بالدولة “بينما رأينا ان الجنسية تقوم على اساس ارتباط الفرد باقليم “دولته” وتفيد فكرة الموطن في معرفة القانون الواجب التطبيق في مسائل قانونية، كالأحوال الشخصية.
وفي بعض البلاد تتخذ الجنسية اساساً لتحديد القانون الواجب التطبيق، وخاصة في بلاد النظام اللاتيني، حيث يعتبر القانون واحداً في جميع انحاء الدولة، واما في بلاد الكومنولث فيتخذ الموطن اساساً لتحديد القانون الواجب التطبيق، حيث الجنسية واحدة لكن القانون يختلف من مقاطعة او ولاية الى اخرى، كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية مثلاً.
ويظهر مما تقدم ان المواطنة والجنسية يأتيان غالباً بمعنى واحد، ولكن المواطنة لا تكون الا للشخص الوطني، في حين بالموطن والاقامة المواطن والاجنبي معاً. كما ان الاقامة قد تكون مؤقتة او دائمة، واما الموطن فأنه يشكل اقامة دائمة مع نية الاستمرار.
هل يلزم وجود دولة لوجود جنسية؟
ذكرنا سابقاً ان من الاركان الاساسية للجنسية وجود “دولة”. والشيء إذا فقد أحد اركانه فانه يعتبر غير موجود، او على الاقل منقوص، فالدولة هي التي تمنح الجنسية، وتحسبها وتحدد معظم تفاصيله.
ولكن هل يشترط ان تكون الدولة تامة السيادة لتمنح الجنسية؟
لا يشترط ان تكون الدولة تامة السيادة لكي تمنح الجنسية، فقد تكون الدولة خاضعة لنظام الحماية او الوصايا او الانتداب، ومع ذلك قانونياً ينظم جنسية سكانية وهكذا كان الحال في سوريا ولبنان في عهد الانتداب الفرنسي وشرقي الاردن زمن الانتداب البريطاني، وتونس ومراكش في ظل الحماية الفرنسية. وذلك كان لهذه الاقاليم دولة، واما الاقاليم التي ليست لها تلك الشخصية، كالمستعمرات او الاقاليم التي تضم الى دولة اخرى، فلا يكون لأفرادها جنسية مستقلة، بل ينتمون الى الدولة التي يعتبر الاقليم جزءاً منها، كالجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي حيث ضمت الى فرنسا.
الا ان الجنسية التي تصدرها الدول ناقصة السيادة تظل برأينا جنسية منتقصة، نظراً لعدم وجود دولة بكل معنى الكلمة لتمنع الجنسية، فالذي يصدرها هو حكومة الدولة المهيمنة ولان الجنسية هنا لا تخول جميع الحقوق التي تخولها الجنسية التامة في الدول المستقلة، فقد تكون حقوق الاجانب من سكان الدولة المهيمنة أكثر من حقوق المواطنين الاصليين.
وتجدر الملاحظة انه لا يشترط برأينا وجود تشريع لتنظيم الجنسية لكي يعتبر مواطنو الدولة حائزين على جنسيتها. ففي العهود القديمة او المتوسطة لم يكن هنالك غالباً قوانين مكتوبة تنظم الجنسية ومع ذلك لا ينكر احدد وجود جنسية لمواطني تلك الدولة. وكذلك فان العثمانية مثلاً كانت بين المواطنين والاجانب قبل اصدار عن طريق وكان يسمى بالامتيازات الاجنبية فيمكن إذا وجود جنسية بشكل واقعي، وقانوني ايضاً بدون وجود قانون للجنسية.
مراحل تطور الجنسية الفلسطينية: –
الحديث عن الجنسية الفلسطينية يقتضي الحديث عن نشأتها وتطورها. ذلك ان واقعها وما الت اليه التطورات السياسية والقانونية في فلسطين منذ انفصالها عن الدولة العثمانية حتى الوقت الحاضر. فالجنسية يمكن كسبها من الناحية القانونية اما بواسطة الوالدين او أحدهما او من خلال مكان الولادة كما يمكن كسبها بالزواج او المكوث في دولة ما فترة طويلة او من خلال التجنس الجماعي منه حصول الفلسطينيين في الاردن بالاضافة الى الانظمة والقوانين الخاصة بكل دولة من الدول والتي تشترط بعض الشروط الخاصة وبالتالي فان العلاقة الرئيسية بين المواطن والدولة تحدد بعلاقة قانونية وعلى الرغم من ان فلسطين منذ عام 1923م تعيش مسالة السيادة المنقوصة.
وعدم وجود حكومة وطنية مستقلة باستثناء حكومة عموم فلسطين الا انه كله لم يؤدي فقدان الفلسطينيين لجنسيتهم فاستناداً الى القانون الدولي فان الدولة ناقصة السيادة تحتفظ بكيانها الخاص وبملكيتها لإقليمها كما يحتفظ سكانها بدعوتهم الخاصة بهذا الاقليم.
عاش سكان فلسطين تحت الحكم العثماني بصفتهم مواطنين وقد نظم قانون الجنسية العثماني لسنة 1869 حقوقهم وواجباتهم , وبقي سكان فلسطين من الناحية الرسمية خلال الفترة الممتدة بين عام 1917 / 1922 حاملين للجنسية العثمانية ولكن بعد ان انسلخت فلسطين عن الدولة العثمانية , وبالذات بعد معاهدة لوزان والتي تضمنت نصوصاً خاصة لتبديل الجنسية الفلسطينية عام 1924م واكتسب جميع سكان فلسطين الجنسية الفلسطينية يوم سريان المعاهدة في 6/7/1924 وقد تضمن القانون المذكور قواعد الحصول على الجنسية الفلسطينية وواجبات وحقوق المواطن. لقد بقي السكان الفلسطينيين متمتعون بالجنسية الفلسطينية طيلة فترة الانتداب البريطاني لفلسطين. ولكن بعد رحيل الانتداب البريطاني عن فلسطين وانشاء اسرائيل بعد حرب عام 1948 بقي جزء من الفلسطينيين من اقليم فلسطين تحت الحكم العسكري الاسرائيلي كفلسطينيين على ارضهم حتى حصلوا على الجنسية الاسرائيلية فيما بعد والتي لم تعطيهم حقوق المواطنة الكاملة لغاية الان.
وبالتالي فان هذا الاحتلال أثر في الجنسية الفلسطينية سواء للذين بقوا في اراضيهم عام 1948 او للذين هجروا عنها وأصبحوا لاجئين فهؤلاء اللاجئين تختلف جنسيتهم من بلد الى اخر فعلى سبيل المثال أصبح اللاجئين الذين استقروا في الضفة الغربية والاردن يحملون الجنسية الاردنية بينما في سوريا لبنان والعراق يحملون وثائق سفر هذه الدول ولا يحملون في ذات الوقت جنسية هذه الدول ويعاملون معاملة الاجانب. اما دول الخليج فأنها تعامل الفلسطينيين معاملة الاجانب ولاتمنحهم وثائق سفر. وتعاملهم حسب وثيقة سفر الدولة التي يقيم بها اللاجئين. لقد اكدت الامم المتحدة بقرارها 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948 بحق العودة للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ووجوب دفع تعوضات عن ممتلكات الاشخاص غير الراغبين بالرجوع.
واكدت الجمعية العامة للامم المتحدة مرة ثانية على عودة وتعويض اللاجئين بتاريخ 22/11/1974 بقرار رقم 3236 والذي اكد في مادته الثانية على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها في مقابل ذلك فان جنسية اللاجئين في القانون الدولي حسب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ان هؤلاء الاشخاص عديمي الجنسية وبالتالي لا يتمتعون بالحقوق التي يتمتع بها الوطن ولكن تجدر الاشارة الى ان المنظمة الدولية لحقوق الانسان تعتبر الجنسية حقاً من حقوق الانسان وبالتالي لا يجوز اجبار اي شخص للتنازل عن جنسيته.
اما الجنسية الفلسطينية الضفة الغربية وغزة في السنوات التي تلت احتلال اسرائيل لجزء من الاقليم الفلسطيني فقد طبقت عليها الجنسية الاردنية على سكان الضفة الغربية وبقي سكان قطاع غزة يتمتعون بالجنسية الفلسطينية, ولكن اجبرت اسرائيل سكان الضفة وغزة على حمل الهويات الاسرائيلية اما فيما يخص جنسية المواطن الفلسطيني في القدس فقد بقوا يتمتعون بالجنسية الاردنية وابقت اسرائيل على جوازات السفر الاردنية بحوزة المواطنين هناك, فعلى الرغم من ضم القدس لاسرائيل واعتبارها عاصمة موحدة الا ان اسرائيل لم تمنح المواطنين جنسيتهم ولكنها منحتهم بطاقات الهوية الاسرائيلية التي تعطيهم حق الاقامة اما فيما يخص النازحين والذين رحلوا عن ديارهم بفعل حرب عام 1967 فقد تمتعوا بالجنسية الاردنية فيما يخص سكان الضفة والفلسطينية فيما يخص سكان غزة ولكن جميعهم فقدوا حق الاقامة في هاتين المنطقتين ولم يعود الا جزء بسيط منهم ما يعرف بلم الشمل.
اما المواطنين الفلسطينيين المقيمن في الضفة الغربية بعد فك الارتباط القانوني والاداري بين الضفة الغربية بتاريخ 31/7/1988 فقد اعتبروا مواطنين فلسطين لاسيما المقيمين منهم قبل هذا التاريخ وبالتالي فقد اصدرت الاردن جوازات سفر مؤقتة لمدة عامين للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
اما في الوقت الحالي وخاصة بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على بعض اجزاء من الضفة وقطاع غزة فقد منح الفلسطينيون المقيمين على الاراضي الفلسطينية بالإضافة الى كوادر منظمة التحريرالفلسطينية والذين حصلوا على رقم وطني يؤهلهم للعودة للضفة الغربية وغزة على جوازات سفر وهويات فلسطينية والتي تؤكد الجنسية الفلسطينية لحامله وغني عن القول ان سكان القدس الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على الوثائق الفلسطينية مع انهم شاركوا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية اخيراً. لقد رأينا انه منذ معاهدة لوزان مروراً بانسلاخ اقليم فلسطين عن الدولة العثمانية وفرض الانتداب عليه من قبل بريطانيا واحتلال اسرائيل لبعض اجزائه في العام 1948 وضم الاردن للضفة الغربية وادارة مصر لقطاع غزة واحتلال اسرائيل في العام 1967 لباقي اجزاء الاقاليم وتالياً قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على بعض الأجزاء من الضفة الغربية وغزة كل هذا وذاك اثر على الجنسية الفلسطينية بفعل التوارث لجنسية قائمة لحين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والتي في نهاية المطاف الى حل من شأنه ان ينهي عقود من التوارث لجنسية الفلسطينيين نوعا من الاستقرار على صعيد الجنسية.
بعض القضايا الشائكة بشأن المواطنة / فلسطينيا:
- استمرار تدخل الاحتلال في الهويات وجوازات السفر وشهادات الميلاد. سحب الهويات ومنحها والاغلاقات ومنع التنقل واغلاق الجسور والمطارات والحدود وغير ذلك.
- عدم منح السلطة الوطنية جوازات لسفر اللاجئين والنازحين والمقيمين في الدول العربية او الشتات بشكل عام. وعدم عودة الاجئين والنازحين وطرح التوطين بدل العودة والتعويض.
- بطء التحول الى الحياة المدنية بسبب وجود الاحتلال على اجزاء من الضفة الغربية وغزة.
- الاوضاع غير مستقرة لجهة المواطنة.
اترك تعليقاً