بورصة العلاقات ….!
د .نيرمين ماجد البورنو
الحياة عبارة عن أشخاص ومواقف وأفعال وحقائق وأكاذيب وتجارب ودروس وعبر مؤلمة ومفرحة , يتساقط بها البعض فمنهم يسقط من القلب وبعضهم من الذاكرة والبعض الآخر يسقط من العين, حينها فقط ندرك حقيقة أن السعادة ليست في عدد الأشخاص حولنا بل في قيمتهم, فلا تجعل الأدوار معكوسة وتحمل هما أكبر من وزنك فالهم لا يدوم مثلما تفني السعادة هكذا تفني الهموم, فانجح من أجل نفسك وحقق حلمك وتجاوز همك, لأنك خلقت ليلق بك أن تكون ضوء لا ينطفئ وماء لا يجف فلا يكفي أن تكون رقم مسجل على قيد الحياة بل يجب أن تكون على قيد الأمل والحلم والتفاؤل وعلى قيد كل شيء جميل سيحصل ذات يوم, وأنك شيء عظيم أوجده الله لغاية وهدف فقد تتعثر في طريقك وتنكسر وتحزن وتنطفئ روحك لكنك لست بعاجز, أنت وحدك قادر على تفجير طاقتك وصنع سعادتك ,وأعلم انك لم تهمل أحد يوما ولكن من تسرب من بين يديك يوما لم يكن متمسكا بك جيدا, وأن الحياة عبارة عن صفعات مؤلمة ولكن لا بأس نتألم لنتعلم, وهناك شخص يجعلك ترتدي ألف قناع عندما تعيش معه لتنال رضاه, فالناس كالأمواج أن سايرتهم أغرقوك وأن عارضتهم أتعبوك, وآخر يسقط عنك كل الأقنعة لأنه يعيش واقعك ويتنفسك ويتألم بوجعك ويفرح بفرحك.
نحيا الحياة ونتقبلها بحلوها ومرها وكأن عقولنا تبرمجت على كافة الظروف والأحوال وان الحياة سريعة سيفوتك الكثير إن انحنيت في كل مرة لتجمع ما يتساقط منك, فاسعد نفسك وأسعد الآخرين لأنه بمثابة الغرس تزرعه لغيرك فيثمر في قلبك, فالحياة لا تعطي دروسا مجانية لأحد فحين نقول علمتني الحياة فتأكد انك دفعت فاتورة الثمن غالية جدا, وأعلم أن اليد التي تنهضك عند تعثرك أصدق ألف مرة من يد تصافحك عند الوصول.
نحن لسنا مجبرين على تبرير المواقف لمن يسئ الظن بنا فمن يعرفنا جيدا يفهمنا جيدا فالعين تكذب نفسها أن أحبت والأذن تصدق الغير أن كرهت فلا تترك شخصا يحب الحديث معك فانت لا تعلم مكانتك عنده فقد تكون الوحيد الذي تبقي له أو كل شيء بالنسبة له, فالعلاقات الطيبة تبقينا سعداء معافيين صحيا ونفسيا وتؤدي لتبادل المشاعر الطيبة والأفكار والرؤى والثقافات وتؤلف القلوب وتصلح النفوس وتذهب الحزن وتزيل الغضب وتشعرك بالرضا والسعادة ,فلقد صدق الشاعر القروي في وصفه للأخلاء : لا شيء في الدنيا أحب لناظري من منظر الخلان والأصحاب, وألذ موسيقي تسر مسامعي صوت البشر بعودة الأحباب, ما أجمل العلاقات الطيبة بين الناس والتي يكون أساسها الحب والإخلاص والوفاء بعيده كل البعد عن المصالح والأنانية والحسد.
لقد خلق الله الأشياء كلها في الحياة ضمن قياسات وموازين ومكاييل فالزيادة أو النقيصة تسبب المشاكل الكثير, فكهذا حياتنا وعواطفنا وأفعالنا ومشاعرنا لا بد أن تكون ضمن موازين دقيقة وليست خالية منها فالزيادة والنقيصة تسبب لنا المشاكل الجسمية, فالطيبة صفة حميدة يمتاز صاحبها بنقاء الصدر والسريرة وحب الآخرين والتسامح والإخلاص لكن رغم رقي تلك الكلمة الا أنها اذا خرجت عن حدودها المعقولة وصلت حد المبالغة فانه سينتج عنها نتائج سلبية على صاحبها, فلذا يجب أن يكون كل شيء بالحياة موزون بمكيال الاعتدال فلا يجوز المبالغة في كلا الأمرين فهناك شعرة بين الطيبة وحماقة السلوك وهذه الشعرة هي منطق العقل, ولا يجوز الثقة العمياء بالأشخاص فهذا غباء وسلوك غير عقلاني ولا يمت للعقل بصلة لان هناك فرق بين طيبة القلب والثقة العمياء لان الطيب اذا واجه موقف أو لحق به أذي وظلم نتيجة استغلال طيبته تغلق الدنيا في وجهه ويصاب بالاكتئاب والإجهاد على المدي البعيد ويتعرض للأمراض النفسية والجسدية بسبب عدم القدرة على ايقاف الاخرين عند حدهم, فنقاء القلب ليس عيبا والتغافل ليس غباء والتسامح ليس ضعفا والصمت ليس انطواء بل هو تربية وعبادة.
إن أغلب المشاكل الواقعة بين الأشخاص والأصدقاء والأقرباء وحتى الأزواج نشأت نتيجة التدقيق والتركيز في المعاملات بين البعض فزيادة الملح في الطعام أو السكر في الشاي أو عدم تذكر كاسه الماء وفنجان القهوة في موعده تعد جريمة وكارثة ومصيبة لأنهم يتفننون في التدقيق والمتابعة لكل شاردة وواردة ولكن السؤال لماذا ؟ لماذا لا نتغاضى ونتغافل عما يزعجنا من الأشخاص الذين نحبهم ونعيش براحه بال ونلمس مواطن الجمال في الاخرين, فالإغفال ليس نقص أو ضعف كما يظن البعض وانما ادراك للعواقب الناتجة عن التدقيق ولان المواقف ستتأزم وتبدأ المعارك اللفظية والقطيعة فلا بد من الفطنة والحكمة والعقل, ولقد قيل أن العلاقات كالبورصة اذا رأيت أسهم الاهتمام تنخفض فانسحب قبل أن ينهار اقتصاد كرامتك! فالاهتمام واضح وضوح الشمس ولا يمكن لأحد أن يتصنعه ويتكلف به , لذلك لا تجبر أحد على الاهتمام بك لأنه إن لم يكن نابعاً من القلب فلن يأتي أبداً , فلا تنظر من أحد أي عطف وعراك وبكاء ولا حتى قتال لان الحب والاهتمام لا يطلب فلا تجبر نفسك على شيء يسبب لك القلق والمرض ولا تسمح لأحد أن يعاملك بمشاعر مؤقتة يأتيك حين يحزن ويمرض وينساك حين يفرح, وأترك مسافة كافية بينك وبين الاخرين وأرسم حدودك بوضوح وبصراحه للآخرين وبين لهم ما يعجبك وما لا يعجبك وتأمل في طبيعة عمل زوم الكاميرا فالاقتراب الشديد لا يظهر جمال الصورة تقول أحلام مستغانمي: «الحبُّ هو ذكاءُ المسافة. ألّا تقتربَ كثيرًا فتُلغي اللهفةَ، ولا تبتعِدَ طويلًا فتُنسى”, واصمت فلا تحرص على كثر الكلام فالصمت زين المواقف, فهنالك ثمة ما يتوقف أو يتغير أو يعكس الاتجاه فجأة وهناك من يبهت لونه في عينك وهناك من يزداد بريقة في عينك وقلبك وروحك وهناك من لم تعد تبصرهم مطلقا فالمواقف من تصنع العلاقات, وأجعل قاعدتك في الحياة الشيء الذي لا يسعدني لا يلزمني !
اترك تعليقاً