لماذا يجب علينا أن نقرأ؟
“يجب عليك أن تقرأ، لكي تمتلك عقلا نقديا لا يقبل بالجاهز، ويتساءل دائما حول القضايا ويحلل الوقائع بعمق وحكمة. لأن، العديد من الناس يشترون الكتب، لكنهم لا يتعدون قراءة الفصل الأول، وهذا ما ينطبق على وثيقة هنري كامبل بنرمان”
“إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون، وإذا طبقوا لا يأخذون حذرهم.. إذن، لا تسألوا الطير الشريد لاي أسباب رحل! لأن حياة واحدة لا تكفي فنحن نقرأ.. ولأن الكتب الدراسية وحدها لا تجعلنا مثقفين فنحن نقرأ وسمينا بأمة اقرأ.. ولكن مع الأسف “أمة اقرأ لا تقرأ” إلا ما ندر.. فتكاد أن تنعدم ثقافتنا العامة ونتساءل لماذا؟ ونكاد أن نكون آخر من يقدم النجاحات والإنجازات مقارنة بدول العالم. لأنه هناك جرائم أسوأ من حرق الكتب، أحدها ألا تقرأها.. إذن نصيحتنا هي اقرأ حتى وإن كنت تغرق”
مؤتمر كامبل بنرمان: “إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ثم تنحل رويدًا رويدًا ثم تزول، والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات، وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك إمبراطوريات: روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم. فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا”.
تلك كانت الكلمة الافتتاحية لرئيس وزراء بريطانيا في المؤتمر المزعوم الذي عُقد في الفترة ما بين 1906 وحتى 1907، وكان أول من أشار إلى تلك الوثيقة باحث هندي كان يقوم بالبحث في أرشيف وزارة الخارجية البريطانية في عام 1937 ويبدو أنه توصل إليها عندما كان في لندن في إحدى الجامعات البريطانية، ولكن فيما بعد فقد اختفت هذه الوثيقة تمامًا ولم يعثر لها على أثر، ولكن هل اختفاء هذه الوثيقة يعني عدم وجودها؟ بالطبع لا.
مؤتمر كامبل بنرمان، هو مؤتمر انعقد في لندن عام 1905 واستمرت جلساته حتى 1907، بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إلى إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن. وقدم فكرة المشروع لحزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت. وضم الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها “وثيقة كامبل” نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان. وهو أخطر مؤتمر حصل لتدمير الأمة العربية وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة.
قدّم المؤتمر توصيات إلى حكومة الأحرار، بعد سقوط حكومة المحافظين عام 1905 برئاسة أرثر بلفور، برئاسة السير هنري كامبل بانرمان، لإقناع رئيس الوزراء الجديد بالعمل لتشكيل جبهة استعمارية لمواجهة التوسع الاستعماري الألماني، ولتحقيق بعض الأهداف التوسعية في آسيا وأفريقيا. وتأسست هذه اللجنة العليا، واجتمعت في لندن عام 1907، وكانت تضم ممثلين عن الدول الاستعمارية الأوروبية وهي: انكلترا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، إلى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول. واستعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن ان تنطلق من تلك المستعمرات، فاستبعد قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، نظراً لانشغالها بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية، وبالتالي بُعدها عن العالم المتمدّن. وأن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، لا سيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية. كما ان خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان. ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي. ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامة الدولة العازلة، عدوّة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية. وهكذا قامت إسرائيل.
ويعتبر مشروع بانرمان من أخطر المشاريع التي لها الدور الريادي في حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تمر بها منطقتنا العربية حتى الان وبالأخص شمال الجزيرة العربية ” العراق وبلاد الشام” ومصر، بل أكثر من ذلك يعتبر إن صحة التعبير الاب الروحي لكل الاتفاقيات التي وضعت لتفتيت وتقسيم المنطقة العربية، بدءا من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ومروراً بكلاً من وعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923.
*نتائج المؤتمر:
توصل المؤتمرون إلى نتيجة مفادها: “إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات”. والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة: “ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان“.
وأبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرين في هذا المؤتمر:
إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو الدعم ماديا وتقنيا.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها.
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية ومحاربة أي توجه وحدوي فيها.
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب الا وهي دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبي وأداة معادية لسكان المنطقة. كما دعا إلى فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، مما أبقى العرب في حالة من الضعف.
*حقيقة المؤتمر:
بالعودة إلى السؤال عن مدى صحة وجود هذه الوثيقة وصحة ما جاء بها من عدمه فالواضح أنه لم يعد ذو قيمة المجادلة في هذا الأمر؛ لأن الواقع الذي نعيشه منذ قرابة المائة عام أو أكثر وكأنه تجسيد حرفي لهذه الوثيقة المختفية.
وباختصار الآن في الوطن العربي جسد غريب (إسرائيل) تعاني الدول العربية من اختلاف كبير حول طبيعة التعامل مع هذا الجسد، فهناك من قام بالتطبيع معه وهناك من رفض الاعتراف به، وهناك من هو في حالة حرب معه، ويظل هذا الاختلاف قائمًا منذ ولادة هذا الجسد وحتى وقتنا الحاضر، وهذا ما أراده واضعو هذه الوثيقة من وجوده في منطقتنا.
بالإضافة إلى الاختلاف العربي المستحكم منذ عقود دونما أسباب تذكر. فالوحدة ما بين الدول العربية والتعاون والاندماج غير موجودة إلا على الورق والبروتوكولات الشكلية، فعندما تقارن حجم التجارة البينية ما بين الدول العربية بعضها البعض بالتجارة البينية ما بين الدول العربية الأوروبية فسوف تُصعق من التفاوت في حجم هذه النسب.
وبالنظر إلى تلك الدول التي لا يوجد فيما بينها وبين الدول الكبرى تصادم حضاري أو ثقافي أو اقتصادي تجد أنها تنعم بالدعم الغربي اقتصاديًا وعلميًا وتكنولوجيًا بل وسياسيًا. وعلى سبيل المثال ففكرة النمور الآسيوية التي تم الترويج لها في القرن الماضي ما كانت لتقوم لولا الدعم الغربي لتلك الدول بالمال والدعم التكنولوجي.
ومن هنا فالحديث عن عدم صحة هذه الوثيقة وأنها مجرد خرافة أصبح بلا معنى بعد كل الوقائع التي شهدناها منذ سقوط الدولة العثمانية (آخر دولة للخلافة الإسلامية) وحتى يومنا هذا.
اترك تعليقاً