نحو سياسة متطورة لتقييم البحوث الأكاديمية
تكاد تكون عملية التواصل بين الأكاديميين بعضهم مع بعض من جانب، وبينهم وبين المجتمع خارج جامعتهم منعدمة، فعلى الرغم من التغيرات الكبيرة في تقنيات الاتصال الرقمي، إلا أن المخرجات التقليدية الأكاديمية مازالت محدودة الانتشار، ولا توجد إلا في أوعية نشر مغلقة، مثل المجلات العلمية التي لا تصل إلا المشتركين فيها، أو فصول في كُتب يصعب الحصول عليها، وهاتان الصورتان مازالتا الأكثر شيوعًا في المجال الأكاديمي. ولذلك فنحن في أشد الحاجة إلى نظام تقييم للبحوث، يشمل تركيزًا على التقييم والجودة والتأثير، وكذلك التغيير في إنتاج البحوث الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي في مصر، وذلك لمعرفة ما إذا كانت نظم تقييم البحوث تؤدي إلى تغيير عمليات إنتاج البحوث داخل مؤسسات التعليم العالي، أو إنها غالبًا تعزز الممارسات والأعراف القائمة حاليًا فقط. وهنا يمكن الاستفادة من تجربة تقييم التميز البحثي (Research Excellence Framework “REF”) كنظام جديد لتقييم جودة الأبحاث في مؤسسات التعليم العالي يركز على ثلاثة عناصر رئيسة، والتي بدورها تعكس معًا الخصائص الأساسية للبحوث المميزة وهي: أ- المخرجات. ب- التأثير. ج- البيئة. ففي نظام ممارسة تقييم البحوث الأكاديمية الحالي يتم التركيز على مراجعة الأقران فقط، ويقصد بالأقران هنا زملاء التخصص الدقيق الواحد الأقدم سنًا ودرجة علميةً، وبشكل غير سري الأمر الذي يُعرضهم إلى ضغوط الزملاء في التقييم ومن ثم المجاملات، ناهيك عن أن بعضهم تم اختياره خارج نطاق المعايير المعتمدة من المجلس الأعلى للجامعات للاختيار، في حين يركز نظام التميز البحثي (REF) على المقاييس المقننة إلى جانب مراجعة الأقران. بهدف تحديد أثر هذه البحوث على المجتمع، والاقتصاد الذي يميز الأبحاث ومكافأتها، ومن ثم تشجيع الأكاديميين على ربط بحوثهم باحتياجات المجتمع خارج جامعاتهم من خلال استخدام – كما أشرت- قياسات لنتائجها، أو آثار البحوث الأكاديمية على المجتمع بمفهومه الواسع، ويتوقع أن يكون هذا النظام محفزًا قويًا للباحثين لجعل بحوثهم أقرب إلى الناس، سواء من حيث لغتها أو وسائل نشرها. ومن أهم آثار نظام تقييم البحوث الحالي، زيادة استدامة الإنتاج المنشور للأكاديميين، ويكون هذا التأثير أقل وضوحًا على الجودة، ويغلب فيه الكم على النوع، فضلاً عن أن له آثارًا طويلة الأمد على قدرات الأكاديميين لاستيعاب نتائج المخرجات البحثية الجديدة، ودخولهم المجتمعات البحثية الخاصة بهم على نطاقات جديدة وموسعة. ويتضح أن توجد فجوة بين نظام تقييم البحوث الحالي الذي يركز على الطريقة التقليدية لمراجعة الأقران ونظام التميز البحثي (REF) الذي يركز على معيار الجودة، ولذا لابد من تعزيز الروابط بين البحث والتدريس، حيث تبرز ضرورة إنشاء المزيد من المراكز البحثية داخل الجامعات، والتي ترفع المسؤولية عن الأقسام العلمية التدريسية التقليدية . بالإضافة إلى ضرورة التحرك في الاتجاه الذي يضع مزيدًا من التركيز على أهمية دعم الصلة بين البحوث الأكاديمية والاقتصاد المجتمعي، مع إعطاء مزيدًا من الأهمية في الإنتاج البحثي للمعرفة الأكاديمية البعدية، حيث يحاول نظام التميز البحثي (REF) منح معرفة أكبر للفكر البحثي الذي يتميز بالأثر الاجتماعي والاقتصادي خارج الوسط الأكاديمي، مع مراجعة الأقران المعتمدة على معلومات الاقتباس. إن تشجيع فلسفة منفتحة في البحث ونشر نتائجه سيؤدي إلى مزيد من الاحتكاك مع صانعي السياسات وحديث أكثر مع مجموعات المجتمع المدني، وشركات أكثر إنتاجية مع القطاع الخاص، وفي حالة تنفيذ مقترح المقال الحالي- على الأقل- ستكون لهذا الأمر منافعه الاقتصادية على الجامعات بدرجة سيكون من غير الحكمة أن تتجاهلها.
اترك تعليقاً