إعلام الاستثمار .. بالمأساة !
بقلم الدكتور عمر الفاروق النخال – إعلامي وباحث في مجال الإعلام الجديد
أنتجت التغطية الإعلامية العربية لزلزال شرق المتوسط رسمًا بيانيا منحدرا جدا لأحوال المهنية المخاصمة على ما يبدو لوسائل الإعلام ومنصات التواصل ما بات يستوجب دق ناقوس الخطر حيال مصير إنسانيتنا نتيجة بعض التغطيات التي تفوّقت على الزلزال بمعاني وأبعاد الآلام والمعاناة التي ساهمت في إيجادها.
صحيح أن وسائل التواصل حرمت وسائل الإعلام التقليدية لسنوات من مفهوم السبق الصحافي، ولكن أن تصحو المؤسسات الاعلامية فجأة على التنافسية تلك على حساب مشاعرنا كجمهور قلق ومتألم فهنا كانت الطامة الكبرى التي اعادتنا كمشاهدين الى إيماننا العميق بقضاء الله وقدره مفضلين الانزواء في صمتنا وصلاتنا ودعائنا للشهداء والجرحى عوض متابعة التغطيات التي كبّرت حجر المصيبة من خلال كل المعطيات والملفات التي تناولتها.
أثبت الزلزال أن إعلامنا غير محتفظ حتى الآن بخطة ثانية أو أدوات أكثر فعالية يستخدمها لكوارث من هذا العيار غير الاستثمار بالمأساة لتحقيق المشاهدات، والمقصود بالمأساة هنا ليس مشهدية الكارثة التي تستحق نقل فداحتها الى كل العالم وإنما الصور والمقاطع واللقطات المتصلة بحرمة الموت والخوف والهلع التي جاء انتشارها المهول اصدق تعبير عن عجز إعلامنا في تصميم محتوى الطوارئ الذي يقف على التطورات بالقصص الإخبارية الموضوعية والمعبرة عن الحدث بعيدا عن لوثة المتاجرة بعناوين الرعب وصور الدم والجثث.
كل وسيلة -ومن باب السبق الصحافي كما تظن – أرادت حصيلة ضحايا وجرحى على قياسها لملء هواء بدا لساعات طويلة خاليا من أية معلومة جديدة تضاف إلينا كمشاهدين نتابع الكارثة عن بعد ونتأثر بها نفسيا وانسانيا وحتى جيولوجيا، وهذه تحديدا نقطة سها عنها بعض الأعلام لدقتها وحاجتها الى محتوى علمي بحت اقتصر في بعض التغطيات على إطلالات المتنبئين غير المستندة إلى اي أساس علمي.
استثمر بعض الاعلام العربي بمأساة المنكوبين، فصنع حالة تعاطف عاجزة بفعل الدمار النفسي الذي تسببت به المحتويات المؤذية لمشاعر المشاهدين والمتابعين وبالنتيجة لم يستطع المشاهد أن يكون شريكا في العملية الاخبارية الا كمتلقي سلبي أعاد نشر ذات المحتويات المؤذية تلك عبر حساباته وتطبيقات التراسل فدخل الاحباط والضرر النفسي الى كل مجلس وبيت قاتلا كل طاقات التفكير السليم بمبادرات فعالة ملائمة لحالة الطوارئ التي عاشتها إنسانيتنا مؤخرا.
وحدها مبادرات التبرع الضخمة لمنكوبي الزلزال كانت كوة النور التي اخترقت عتمة الكارثة ومما يؤسف له أن نجاحها تحقق بفعل جهد فردي ومجتمعي بعيد عن التخصص والاحتراف ومع ذلك وصلت صورته الى كل العالم بالوسائط الرقمية فيما كانت شاشات إعلامنا منهمكة بالتنقيب عن صورة أو وقطع تبقي هواءها على قيد الحياة وسط الموت المنتشر في كل حدب وصوب!
بعض إعلامنا لم يثبت عجزه فقط وإنما عدم إلتفاته الى مقترحات مشاهديه، حيث مضت عقود على دعوة المشاهد العربي لإعلامه بالاقتضاء بالتغطيات الإعلامية الغربية وتحديدا الأوروبية للكوارث والأحداث المؤسفة التي يقع نتيجتها قتلى وجرحى ولكن دون تحريك أي ساكن.
مؤسف هذا الواقع لبعض اعلامنا العربي، والمؤسف أكثر الإصرار على بقائه بهذه الصورة العاجزة التي لا تؤهله إلى أية ريادة أو قيادة أو مسؤولية!
الإيمان كان منصة أرحب وأنقى من منصات المشاهدة والتلفزة والمتابعة، فعلى الأقل كلّنا فضّل التألم على طريقته دون المشاركة بجريمة العبث بالجراح!
اترك تعليقاً