ذوي الإعاقة مسئولية المجتمع بكل مكوناته وحقوقهم واجبة
لم تفاجئني يوماً المهارات والقدرات التي يتمتع بها الأشخاص ذوي الإعاقة، من الذي حصلوا على فرصة حقيقية للاندماج بالمجتمع، فقد كانت مساهماتهم الميدانية في كل المجالات التي تشاركنا فيها معهم سواء على صعيد العمل أو مساهماتهم الاجتماعية والسياسية، نلاحظ حضورهم المؤثر، والذي يدل على قوة الإرادة، والرغبة لإثبات الذات، والسعي الحثيث والجاد نحو المشاركة الفعّالة كإنسان يتطلع لتحقيق أهدافه، لإيصال الرسالة التي عنوانها بأن ذوي الإعاقة بإرادتهم وحبّهم للحياة لن يقبلوا أن يكونوا في الصف الخلفي أو عبء على أحد. تجربتي العملية ومشاركتي الأصدقاء والزملاء من ذوي الإعاقة في ميادين العمل، وضمن اللقاءات والحوارات المهنية والعملية التي امتزجت بالإبداع والمتعة الهادفة والمتخصصة، تعززت قناعاتي وإيماني بأنه لا يوجد مستحيل أمام القلب النابض وأهل العزيمة، وفكل إنسان بغض النظر عن إمكانياته وقدراته؛ لديه مميزات وخصائص تمكنه من القيام بدور فعال في عملية البناء والنهوض بالمجتمع، إذا ما توفرت له الفرصة والإمكانيات والظروف البيئية والحياتية المناسبة، ووجد من يشجعه أو يأخذ بيده، وهذا كان السبب الرئيسي لكتابة هذا المقال بهدف مساندة ودعم حقّ بناتنا وأبنائنا من ذوي الإعاقة ليكونوا جزء فعّال في عملية التنمية والبناء الاجتماعي والاقتصادي والتغيير نحو الأفضل. يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع الكثير من التحدّيات والصعوبات التي تعيق مشاركتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتي تتسبب أحياناً في عزلتهم كفئة خاصة يتلخص حضورهم ومشاركتهم عبر المؤسسات الاجتماعية التي تقدم الخدمة والرعاية لذوي الإعاقة، أو المرتبطة بتنفيذ مشاريع أو برامج ونشاطات تستهدفهم بشكل مباشر أو غير مباشر، دائمة أو مؤقتة، ويأتي ذلك في إطار أهداف المؤسسات ودورها الاجتماعي، ويقتصر أحياناً على مساعدات وتدخلات لا ترتقي لحجم المشكلة والمسئولية، أو تساهم تعزيز الأمل والمشاركة لهم بشكل ينسجم مع قدراتهم وتطلعاتهم بالحصول على فرصة حقيقية؛ كإنسان لديه ما يقدمه للمجتمع والوطن، وهذا ما يجب الوقوف عليه في محاولة لفهم واقعهم، وطبيعة الإشكاليات التي تحول دون دمجهم بشكل حقيقي في المجتمع، وما هي أفضل الطرق لتعزيز مشاركتهم في كل مجالات ومناحي الحياة؟ وما هي الخطوات العملية التي يمكن العمل عليها في هذه المرحلة؟ معظم الدراسات والاحصائيات التي تناولت الأشخاص ذوي الإعاقة من الجنسين تؤكد أن هناك قصور في التعامل مع قضيتهم، بالرغم من وجود بعض القوانين والتشريعات الفلسطينية التي تتسم بالمرونة من حیث تضمینها حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنهم ما زالوا يعيشون ظروف معقدة، ومركبة صعبة في المجتمع، وهناك العدید من المعيقات والحواجز المتداخلة والمتشابكة والتي نتج عنها مزيد من التهميش والتنكر للحقوق والقضايا والإشكاليات للأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي ساهم في مزيد من الإقصاء والتمييز السلبي على أساس الإعاقة أو على أساس نوع الإعاقة، أو النوع الاجتماعي لذوي الإعاقة، وخاصة النظرة الدونية لشريحة النساء والفتيات ذوات الإعاقة، الأمر الذي يستدعي مراجعات شاملة على جميع المستويات السياساتية والبيئية والمؤسساتية والاتجاهاتية والقانونية والإجرائية… ، إذا ما أردنا التدخل بشكل حقيقي وفعّال لدمجهم في المجتمع، والإرتقاء بواقعهم نحو الأفضل، وتطوير نظم عمل المؤسسات الاجتماعية لتحقيق دمج حقيقي، ويمكن ذلك بخطوات عملية منها التالية للبناء عليها: – العمل على تعزيز المشاركة الشعبية والسياسية لذوي الإعاقة، وضمان إنخراطهم في نشاطات الحياة العامة، وصناعة القرار السياسي، وممارسة حقوقهم المدنية المكفولة بالدستور والقوانين الناظمة للعمل السياسي، ودمجهم في العملية الديمقراطية بحرية وبشكل طوعي، وكفالة حقّهم بالتعبير وحرية الرأي، ومنحهم حقّ في المشاركة الفعّالة والتمثيل وتحمل مسؤولياتهم السياسية سواء بالانتخاب أو بالترشيح في الهيئات المحلية والبرلمانية ضمن إطار النظام السياسي. – العمل على حفظ حقّهم في التمثيل وقيادة عمل النقابات المهنية والعمالية، ومشاركتهم في صناعة القرار النقابي باعتبارهم جزء أصيل من الفئات الاجتماعية التي ينطبق عليها شروط العضوية، فوجود ممثلين من ذوي الإعاقة في الهيئات القيادية للنقابات بتنوعيها المهني والعمالي، ومؤسسات المجتمع المدني، يعزز فكرة وفلسفة الدمج الكامل في مؤسسات المجتمع، وهذا يساهم في تعزيز الوعي الاجتماعي وثقافة المجتمع في تقبلهم كأفراد منتجين، ومساهمين في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهذا جزء من المسئولية التي يجب العمل عليها ضمن خطة إعادة الدمج والتأهيل لذوي الإعاقة بالمشاركة الكاملة في المجتمع. – العمل على تأهيل وتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة مهنياً، لدمجهم في سوق العمل بما يتناسب مع قدراتهم ومهاراتهم وطبيعة الإعاقة، والسعي الجاد لتوفير وخلق فرص عمل مناسبة لهم، والضغط لتشغيلهم بنسبة لا تقل عن 5% في كافة القطاعات التشغيلية، وفق قانون العمل الفلسطيني، وقانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن ذوي الإعاقة، فأول الخطوات نحو الاستقلالية والتمكين، هي الحصول على فرصة عمل ودخل ثابت، وهذا يشكل أمل وخطوة نحو تمكين ذوي الإعاقة اقتصادياً من كلا الجنسين في الحياة. – ضرورة العمل على تطوير السياسات العامة والتشريعات والقوانين لتعزيز مشاركة ودمج ذوي الإعاقة في المجتمع من كلا الجنسين بما يكفل لهم حياة كريمة ولائقة، مع ضمان اليات لمتابعة تطبيق التشريعات ورصد الانتهاكات بحقهم . – ضرورة العمل على تطوير وتحسين جودة برامج التأهيل والتدريب لذوي الإعاقة بما ينسجم مع التطورات والتقنيات والتكنولوجيا الحديثة والفضاء الأزرق والمتغيرات والمستجدات في عالم العمل لضمان مشاركة أكثر فعالية وتأثير. – تشكيل تحالفات وائتلافات، وتوسيع قاعدة التشبيك والتواصل بين المؤسسات والمتضامين والحلفاء لمناصرة ومساندة قضايا ذوي الإعاقة بهدف تشكيل قوة ضغط فاعلة لتعزيز مشاركتهم السياسية والاجتماعية، ودمجهم في وظائف مناسبة في سوق العمل. أخيراً اعتقد أن قضية ذوي الإعاقة تحتاج منا جميعاً التفكير الجمعي، والتشارك والتعاون كفريق متكامل بالعمل، بغض النظر عن الأدوار والوظائف كأفراد أو مؤسسات لإيجاد الطرق والآليات، والسبل الهادفة والفاعلة لمساعدتهم في الاندماج الكامل في كل مناحي ومجالات الحياة كأفراد منتجين، وليسوا عبء على المجتمع، لذا يجب إعادة النظر في كل البرامج والتدخلات والخطط والسياسات العامة والاستراتيجيات نحو تعزيز حضورهم الاجتماعي ومشاركتهم، وذلك من خلال تلمس مشاكلهم وقضاياهم بعقلانية ومهنية ومسئولية، بهدف الاستثمار الأمثل لقدرات وإمكانيات ذوي الإعاقة وخاصة الشباب والنساء والفتيات منهم، وتحويلهم لعنصر منتج قادر على التكيف والموائمة بين قدراته والواقع للاندماج والمشاركة في عمليات البناء والتغيير، وهذه مسئولية المجتمع نحو أفراده وحقهم علينا.
• باحث في الشئون النقابية والاجتماعية
اترك تعليقاً