المرأة العربية والأمية الرقمية فرص و تحديات
بقلم الباحثة / سامية بن يحي
تعد الأمية الرقمية مشكلة عصرية تعاني منها المرأة بشكل عام في الدول النامية و العربية خاصة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، اذ تبلغ الفجوة بين مستخدمي الإنترنت على سبيل المثال في هذه الدول من الذكور والإناث على الهواتف المحمولة 21٪ لصالح الذكور مقارنة بالفجوة التي تبلغ 4٪ في أوروبا وآسيا الوسطى حسب إحصائيات عالم الإنترنت Internet World Stats 2019 وعلى المستوى العالمي يقل عدد النساء اللواتي لديهن هواتف ذكية بنحو 327 مليونًا، كما تقل احتمالية وجود هاتف ذكي لدى النساء بنسبة 26٪ في المتوسط في جنوب آسيا وافريقيا لتبلغ هذه النسب 70٪ و 34٪ على التوالي وبذلك فإن الفجوة بين الجنسين في استخدام الإنترنت آخذة في الاتساع.
وعلى الرغم من أن مضمون محو الأمية الرقمية يمكن أن يختلف اختلافًا كبيرًا بين الدول المتقدمة والنامية، إلا أن مفهوم محو الأمية الرقمية يشمل مهارات القرن الحادي والعشرين المتعلقة بالاستخدام الفعال والملائم للتكنولوجيا، ولتبسيط الأمور نأخذ تعريف جمعية المكتبات الأمريكية، حيث تُعرّف جمعية المكتبات الأمريكية (ALA) محو الأمية الرقمية بأنها “القدرة على استخدام تقنيات المعلومات، والاتصالات للعثور على المعلومات وتقييمها وإنشائها وتوصيلها، الأمر الذي يتطلب مهارات معرفية وتقنية.”
وحسب هذا التعريف تؤكد جمعية المكتبات الأمريكية أنه من المهم أن نفهم أنه حتى المواطنين الرقميين الذين يعرفون كيفية إرسال نص ونشره على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعتبرون “متعلمين رقميًا” بأي وسيلة، وبالتالي فإن القراءة عبر الإنترنت ليست “محو الأمية الرقمية” لأنه من المؤكد أن الذين يستخدمون كلا من المهارات المعرفية والتقنية للعثور على المعلومات وتقييمها وإنشائها وتوصيلها هم في طريقهم إلى أن يصبحوا مستهلكين رقميًا ودهاءًا للمحتوى الرقمي.
بهذا الصدد تعتبر ليندسي نيفيش كلارك “مؤسسة شبكة المرأة العالمية، وهي مؤسسة خيرية تدرب الفتيات في مجال محو الأمية الرقمية” أن المهارات الرقمية لا غنى عنها للفتيات والشابات للحصول على عمل آمن في سوق العمل الرسمية، وأن العوامل غير المتصلة بالإنترنت مثل الفقر والتمييز بين الجنسين والقوالب النمطية للجنسين تمنع الفتيات والنساء من الاستفادة من التقنيات الرقمية.
ومع ذلك – حسب ليندسي- فإن الرقمنة تكمن في استخدام التقنيات الرقمية لتحويل ممارسات الأعمال والأنشطة اليومية التي تواجه العديد من التحديات على الرغم من أن استخدام الهواتف الذكية، ومعدلات انتشار الإنترنت قد زادت بشكل كبير في العقد الماضي، حيث وصلت إلى أكثر من 65 بالمائة من سكان المنطقة وفق احصائيات قامت بها شبكة المرأة العالمية، إلا أن هذا لم يُترجم بعد إلى وظائف رقمية بالرغم من كل هذا الضجيج الحاصل حول شبكة 5G التي قد لا تتحول إلى التغيير الإيجابي الذي يأمله المراقبون.
لذلك تعد الرقمنة – وفق تقييم ليندسي- سيفا ذو حدين يمكن أن تحسن الشفافية والمساءلة، كما يمكن للتكنولوجيات الجديدة أيضًا تزويد الأنظمة الاستبدادية بوسائل جديدة لمراقبة المواطنين وقمع المعارضة، علاوة على ذلك تتشابك الرقمنة مع الجغرافيا السياسية، كما توضح الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 ومن هنا فإن معركة التفوق التكنولوجي هي شأن سياسي عميق خاصة فيما يتعلق بشبكة الجيل الخامس ليصبح العالم العربي أكثر بروزا باعتباره ساحة معركة رئيسية في كلا الجانبين.
أما على صعيدنا التحليلي والبحثي حول هذا الموضوع، فإن التحول الرقمي يوفر فرصًا هائلة للاقتصادات والمجتمعات العربية، ومع ذلك، فإن فوائد التحول الرقمي غير متوازنة حاليًا بين المجموعات المجتمعية العربية، وبين كلا الجنسين، كما أن الوصول إلى الأدوات الرقمية واستخدامها وملكيتها ليس محايدًا بين الجنسين، لذا كثيرا ما يستخدم مصطلح “الفجوة الرقمية بين الجنسين” للإشارة إلى هذه الأنواع من الاختلافات بين الجنسين في الموارد والقدرات على الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاستفادة منها على نحو فعال، وهو ما يبرزه تقرير الأمم المتحدة 2019 أن هناك عدد من الأسباب الجذرية للفجوة الرقمية بين الجنسين في الدول النامية، ومنها العربية يتمحور معظمها حول عقبات الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، والتعليم (أو الافتقار إليها) ونقص المعرفة التكنولوجية، بالإضافة إلى التحيزات المتأصلة، والمعايير الاجتماعية والثقافية التي تؤدي إلى الاستبعاد الرقمي القائم على نوع الجنس.
والجدير بالذكر أن الدول العربية – خاصة الخليجية منها- استطاعت أن تعزز جهودها في الرقمنة خلال السنوات الأخيرة على غرار الإمارات العربية المتحدة، والأردن، والسعوديةّ اذ تسعى الإمارات العربية المتحدة – كمحور رئيسي للاقتصاد الرقمي في العالم العربي – إلى أن تصبح مركزًا عالميًا للابتكار التكنولوجي، كما خصصت الأردن ، التي تعد أحد أوائل رواد المنطقة في مجال التكنولوجيا الناشئة مواردا كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي من خلال الرقمنة وإنشاءها أول وزارة للاقتصاد الرقمي في العالم العربي.
ومع ذلك فإن الصورة التي تظهر حول محو الأمية الرقمية هي أبعد ما تكون عن الإيجابية فيما يتعلق بالمرأة العربية وحظوظها الرقمية، حيث يشير الوضع إلى وجود حلقة مفرغة لا يمكن أن تؤدي إلى تضييق الفجوات الرقمية بين الجنسين لأن النساء في المنطقة العربية يحصلن على تمويل أقل نسبيًا لمحاولاتهن المبتكرة ما يحد من طموحاتهن المهنية (خاصة في مجال الصناعات التكنولوجية) وطبعا الأسباب تتفاوت من دولة إلى أخرى منها على سبيل الذكر ضعف السياسات الرقمية في أغلب البلدان العربية، وضعف حجم النفاذ إلى وسائل التكنولوجيا والرقمنة، بالإضافة إلى قلة الوعي الرقمي الذي من شأنه أن يمكن المرأة العربية من استخدام سلس وميسور للأدوات والبرامج الرقمية، ناهيك عن التحيز بين الجنسين، والمشاكل المترتبة عن الاقتصاد الريعي، وما يخلقه من تزايد نسب البطالة والفقر، ثم ضعف التدفق الحر للمعلومات، و قنوات الاتصال المباشر الآمنة التي تسهل التعبئة المدنية، كما أن نسب تدفق الإنترنت في المنطقة العربية ضعيفة.
ونحن نعلم أن أدوات الإتصالات الرقمية لعبت دورًا محوريًا في الانتفاضات العربية، ومكنت المرأة العربية من رفع سقف التحديات والمطالبة بتغيير ظروفها وتوجيه رسائل عديدة عبر شبكات التواصل الإجتماعي، لكن مع ذلك يبقى أكثر تهديد تواجهه اليوم المرأة العربية في موضوع محو الأمية الرقمية هو تهديد الاستبداد الرقمي الذي تفرضه بعض الحكومات العربية، اذ تفرض هذه الدول نوعا من المراقبة والضغط على حرية استخدام وسائل التكنولوجيا ما يسمى بتكنولوجيا المراقبة خاصة في الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، ومختلف الاحتجاجات مثل مصر وتونس والجزائر وسوريا والبحرين، وكذا السعودية، وهذا يجعلنا أمام اشكالية مهمة تقتضي منا التوقف عند حيثياتها ترتبط بأبعاد الأمية الرقمية للمرأة العربية، ومحاولات تضييق الفجوة الرقمية القائمة بين الجنسين.
اذن انطلاقا من تقرير البنك الدولي 2017 الذي أشار إلى أن هذا النوع من التمييز القانوني المرتبط بمستويات أدنى من التحصيل التعليمي للنساء، والفجوات الأوسع في الأجور بين الجنسين، وعدد أقل من الأعمال التجارية المملوكة للنساء، كما كشفت الأبحاث التي أعدها البنك الدولي أن النساء حول العالم ما زلن ممثلات تمثيلاً ناقصًا في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كمستخدم وقطاع جذاب بالنسبة لتوظيف النساء، كما أنه في بعض الدول العربية يمكن أن تتضمن المعايير الثقافية قيودًا على الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو عدم توفر المحتوى ذي الصلة.
ولعل أبرز الحلول التي قدمها التقرير على الصعيد العالمي والعربي ما يلي :
- من الضروري إيجاد طرق لتمكين الفتيات والنساء من المشاركة في تصميم، وبناء وقيادة مستقبلنا الرقمي المشترك بما في ذلك رفع مستوى الوعي والتدريب المهني والاتصالات كأمر ضروري لتمكين النساء من خلال الوصول إلى المعلومات، والتعلم، وتحسين عملية صنع القرار، والتعليم الأفضل، والمهارات الرقمية الجديدة واحتمال زيادة الدخل.
- – يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تحد من بعض الحواجز التي تواجهها المرأة بما في ذلك الأمية والفقر ونقص الحركة، و المعايير الثقافية والاجتماعية الأخرى، وتحد من المشاركة في عمليات صنع القرار، والوصول إلى المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين من خلال تحسين الصحة والتعليم، وزيادة دخل الفرد، ونمو اقتصادي أسرع وأكثر شمولاً وقدرة تنافسية دولية أكبر.
- يساعد التعليم الإلزامي في القضاء على الفجوة الرقمية بين الجنسين، اذ يعد التعليم الإلزامي أمرًا حاسمًا لضمان مهارات الأفراد والكفاءات الأساسية اللازمة.
- الترويج للمحتوى المناسب للمرأة العربية مهم في اكتساب المهارات الرقمية ومحو الأمية، والتعلم وممارسة حقوقها ، والمشاركة في العمليات العامة، والوصول إلى وظائف أكثر مهارة، والتي عادة ما تكون عمالة أفضل.
- تشجيع زيادة التحاق الإناث في الدراسات، والتلمذة الصناعية المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، واستهداف التحيزات القائمة بين الجنسين في المناهج وتفضيلات الوالدين.
- زيادة إشراك المرأة في الأنشطة الابتكارية، و البرمجيات، و تطبيقات الذكاء الاصطناعي أمر جيد ليس فقط للنساء أنفسهن، ولكن أيضًا لنمو اقتصادي أقوى وتعزيز رفاهية المجتمع، وتجسيد المواطنة الرقمية.
ومن هنا يمكن القول أن الأمية الرقمية تشكل عبئا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا على التنمية في الدول العربية، لذلك تقدم التقنيات الرقمية فرصًا كبيرة وتساعد على تمكين المرأة العربية خاصة من خلال استخدام الإنترنت والمنصات الرقمية، والهواتف المحمولة، والخدمات المالية الرقمية التي يمكنها أن تساعد في سد الفجوة الرقمية، وتجاوز الأمية الرقمية،كما تمنح المرأة العربية إمكانية كسب دخل إضافي وزيادة فرص العمل، والوصول إلى المعرفة، والمعلومات العامة.
بقلم الباحثة سامية بن يحي تخصص إدارة دولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية – باتنة – الجزائر
اترك تعليقاً