إخفاق الحضارة الإنسانية أمام فيروس كورونا

إخفاق الحضارة الإنسانية أمام فيروس كورونا

د. شلال العبيدي

الحضارة الإنسانية لحقبة زمنية ما ، هي ما توصلت إليه الإنسانية من علوم و ثقافة وفنون و اقتصاد و عمارة و تطور إجتماعي ، لذلك فإن لكل أمة حضارة خاصة بها ، الحضارة الرومانية ، الحضارة اليونانية ، الحضارة الصينية ، الحضارة الهندية ،الحضارة العربية ، الحضارة الإسلامية ,

و مجموع حضارات الأمم في فترة زمنية ما هي الحضارة الإنسانية أو العالمية في تلك الفترة وما قد توصلت إليه من تقدم في شتى مجالات الحياة الثقافية و العلمية و الفنون و الاجتماع و الاقتصاد ، و الحضارة الإنسانية اليوم هي قمة ما توصلت إليه الإنسانية من تطور في جميع النواحي و أهمها التطور العلمي و الثقافي و الاجتماعي ، و ما يترتب من خدمة للإنسانية ليعيش في كرماة إنسانية و مستوى معاشي يليق به .

و لنا تساءل حول ما بلغه العالم من تحضر و هل يعد إنجازاً يؤمن للإنسان العيش بسلام و أمان و رفاهية ، هل إن هذه الحضارة كانت إنسانية قد خدمت الإنسان و هل أخذت من الإنسان و راحته و سعادته موضوعا لها.

لا يمكن العزل بين الحضارة الإنسانية و ما هو عليه حال الإنسان اليوم ، فكل عنصر من عناصر الحضارة مسؤول عن ذلك ، و هذا يجرنا القول بأن العلم والثقافة و الأدب و الفنون في العالم بما يشهد لهن من تقدم و اتساع و انتشار هل كان من اجل بناء قيم إنسانية ، وهل أدى و وظيفته في حفظ الأمن الإنساني العالمي ، و هل كان له دور في بناء ثقافة المحافظة على البيئة الكونية ، بل اكثر من ذلك هل كان له دور في تثقيف الإنسان من ناحية الوعي الصحي ، هل كان  في خدمة ثقافة من اجل عالم نظيف و صالح للعيش بأمان ؟

وهل إن الفنون كانت معبرة و مجسد لثقافة البيئة السليمة و قامة بغرس مبادئ عامة لدى الإنسان في الوعي الصحي و البيئي ، و هل أسهمت العلوم الصرفة في خدمة الإنسانية من ناحية تطوير البحث العلمي لخدمة الإنسانية في مجال المحافظة على الصحة و البيئة ؟و هل ساهم الأدب الحديث و العلوم السياسية في الحد من التعصب و العنصرية و بث روح التسامح و الإخاء و مناهضة سباق التسلح و انتشار الحروب و النزاعات، هناك دور كبير كان من الممكن أن تقوم به العلوم الصرفة والثقافة و الآداب و الفنون في خدمة الإنسانية.

بعد ظهور فيروس كورونا اتضح للعالم العجز في التقدم العلمي الإنساني ، حيثُ لا يوجد معلومات كافية على الفايروس و لا يوجد علاج له في كل دول العالم و لا يعرف عن مصدر هذا الفيروس شيء موكد ، بل اتضح إن العالم يعاني من نقص في كمامات الوجه البسطة و هي قطعة من قماش ، حيثُ أعلنت ذلك الدولة الأولى في العلم أمريكيا ، أما على صعيد الرقي الأخلاقي و الإنساني ، فقد ثبت إن كثير من الدول في خضم هذه الأزمة تحتكر ما هو ضروري لحياة الإنسان عن بقية الدول ، واكثر من ذلك تتسابق على اكتشاف علاج أو تبحث عن حق امتياز في صناعة علاج و احتكاره تجارياً ، و هذا امر يعد انتكاسه في القيم الأخلاقية مقارنة بما يجب أن تكون عليه الإنسانية اليوم من رقي .

كما أثبتت الأزمة إن ثقافة الإنسان التي كسبها عن طريق التربية و التعليم و المجتمع لم تكن بالقدر الكافي الذي يمكنه من التصرف خلال الأزمة بشكل صحيح من خلال التحوط و عدم الاختلاط و مطبقة التحوطات الصحية و النظافة و هي أمور يوميه ضرورية ليس فقط في فترة الأزمة .

إن التوجه المادي للعالم و ما ترتب عليه من توجه تجاري و اقتصادي نحو الربح و المادة فقط ، قد أثر كثيراً في التعليم و التربية و اخذ طابعاً معين من الثقافة و الفنون و الأدب يلائم هذا التوجه المادي مما غيب الكثير من القيم النبيلة و السليمة .

و لهذا شاهدنا الإخفاق على مستوى الإنسانية و هي في قمة تحضرها كما توصف ، حيثُ إن فيروس صغير يهاجم العالم و يهدد حياة الإنسانية و يشل اقتصاده ، دون أي مقاومة فاعله تجدي نفعاً سوى أن يحجر كل البشرية في منازلهم .

و هذا نتاج توجه العالم نحو سباق التسلح و الاحتكار الصناعي و التجاري و التكتلات العالمية على أساس التعصب القومي و الديني ، وغياب الفكر الإنساني المعتدل الذي يدعو إلى التنوير بالمبادئ الإنسانية و توحيد الخطاب الإنساني و الدعوة إلى التثقيف و التعليم و التربية .

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.