الإنتحار هَدِيَّة مَجّانِيَّة لِمِلْك الْمَوْت . . . !

الإنتحار هَدِيَّة مَجّانِيَّة لِمِلْك الْمَوْت . . . !

د. نيرمين ماجد البورنو

قصص الانتحار لم تعد تهزنا، الموت فقد هيبته، والحياة فقدت جاذبيتها، لكن الذي يذهب للموت برجليه، يهزنا، يربكنا. كيف أستطاع اتخاذ القرار بالانتصار للموت على الحياة، لا أحد ينتصر لظلام الموت على نور الشمس إلا هؤلاء الذين لم يعودوا يجدون مبرراً لوجودهم أو كُوة أمل تنتظرهم، بالتأكيد فإن هذه الشريحة تضم علماء وفنانين وكتاب ونجوماً قررت الغياب، ومنهم من يصنع نجومية بموته، ومنهم من هو مجنون، ومنهم من هو عبقري، لأنه أستطاع أن يضع حداً لعذاباته، لم ينتظر قدره، بل صنع قدره بيده، بحماقته، أو جرأته أو يأسه، لم ينتظر ملك الموت، ووفر عليه عناء إعادة روحه الى خالقه.

 

المنتحر شخص يسلم روحه بيده الى ربه قبل الأوان، أتمنى أن أقابل منتحراً بعد مماته لأتعرف على إحساسه، أتراه أخطأ؟ أتراه يعود لفعلته لو قدر له أن يعيش حياة ثانية، هؤلاء هم الوحيدون الذين خالفوا محمود درويش الذي قال إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، إنهم يقولون: تحت التراب ما يستحق الموت.

 

أستطيع مثلا أن أفهم لماذا انتحر أدولف هتلر ووزير دعايته جوزيف غوبلز، ولكني لا أجد مبررا لانتحار إرنست همنغواي بطلقة في الرأس، ولا أستطيع أن أجد تفسيرا لانتحار الكاتب الأردني تيسير سبول أو الشاعر اللبناني خليل حاوي بمجرد سماعه خبر اجتياح الجيش الإسرائيلي لبلاده، ولا أغفر لداليدا انتحارها 1987 من غرفة منزلها عندما قفزت فوق الرسامين في ساحة مونمارت لأن حبيبها أخلف وعده بالقدوم اليها، وأشعر بالارتباك أن ينتحر روبن ويليامز الذي طالما أضحكنا وأسعدنا ليشنق نفسه بحزام بنطال لفه حول عنقه.

 

أفهم لماذا انتحرت زنوبيا ملكة تدمر عندما تناولت السم قبل أسرها من الرومان، وكليوبترا عندما وضعت أفعي على ذراعها، ولكن لماذا انتحر اوناسيس، ولماذا وجدت الكاتبة فرجينيا وولف أن الأفضل أن تلقي بجسدها في البحر، ولماذا لم يعش فان كوخ ليواصل الرسم!

 

وأستطيع أن أفهم، أو على الأقل أن أقدّر الأسباب التي تدفع شبابنا للانتحار، قلت أفهم ولا أقول أتفهم، لقد فقد شبابنا الأمل، وليس هذا فقط، بل احتلهم اليأس وأغلقت في وجوههم كل الطرق ليعيشوا حياة كريمة، من سيكلف خاطره في دراسة الظاهرة، ومن سيجد الحلول؟

 

سطحي وظالم من سيجابه هذه الظاهرة بالحديث عن الدين والإيمان. هذه ليست أعذارا، لكن هلّل ألقينا نظرة عميقة على الشباب الذين لا يجدون فرصة للتعليم أو الرزق، وحتى فرصة لامتلاك قوتهم اليومي. إذا بقيت هذه الأسباب على ذات المسير، فإن معدل الانتحار سوف يزداد، ببساطة، فهؤلاء الناس وجدوا أن الموت أكثر رحمة. لا يوجد خط فاصل بين الحياة والموت في بعض البلدان، حيث يتحكم الفقر والجوع في حياة الناس. يعيش بعض الناس الموت صباحاً ومساءً، ويحلمون به في نومهم، إنهم يموتون بالإعدام مع وقف التنفيذ. إنهم بحاجة إلى تحرك جاد من صناع القرار في العالم أجمع، فإذا لم يتغير الوضع، سيستمر شبابنا في تقديم أرواحهم كهدايا مجانية لملك الموت.

مدير تنفيذي لمركز Pillar

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.