العلاقات السعودية الصينية والرسائل الثقيلة لواشنطن

العلاقات السعودية الصينية والرسائل الثقيلة لواشنطن

 

بقلم د. علي نازلي رئيس مركز بيلر لندن – إسطنبول

تشهد الساحة الدولية في الفترة الأخيرة حالة من الاستقطاب وإعادة التموضع في كثير من العلاقات الدولية والفاعلين الدوليين، وبرزت هذه الحالة في السنوات الأخيرة جراء التغيرات العديدة التي شهدتها الساحة الدولية، والأزمة الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا قد أبرزت هذه الحالة من الاستقطاب الواضح بل الاعتداد من بعض الدول بشكل غير معتاد على سلوكها السياسي تجاه أمريكا.

وقد شكلت الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة العربية السعودية تطورا هاما وحدثا عالميا اعتبره     المراقبون بغير المسبوق من حيث التوقيت والأحداث العالمية وطبيعة الإستقبال السعودي الحافل بالرئيس الصيني جعل الإعلام الأمريكي يتناول هذه الزيارة بحالة من الذهول والقلق.

فالرئيس الصيني إعتبر هذه الزيارة انتهاز للفرصة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع السعودية، وهي تأتي في إطار زيادة المواءمة بين (مبادرة الحزام والطريق الصينية) و (رؤية 2030 السعودية)، وأنها ستشكل فتح عصر جديد بين البلدين.

هذه الزيارة قد تشكل تصدع للعلاقات الأمريكية السعودية التي تجاوز عمرها الثمانية عقود والتي بنيت في الأساس على البعد التجاري عبر شركات النفط، وطورها رجال أعمال أمريكيين بالضغط على السياسيين في بلدهم بضرورة تأمين مصالحهم التجارية في السعودية وتطورت العلاقات الي ان أصبحت في إطار التحالف الاستراتيجي في أواخر الخمسينيات في القرن الماضي.

ورغم مرور العلاقات بين البلدين في كثير من الأحداث والأزمات والمنعطفات مثل حرب 73 وأحداث سبتمبر والتلويح بقانون جاستا إلا أنها استطاعت ان تحافظ على حالة من الثبات الى ان بدأت تتغير هذه العلاقة وتتحول الى الجمود والتراجع وخاصة في عهد أوباما والخلاف الذي ظهر على السطح وتحديدا في الملف الايراني وملفات شرق أوسطية أخرى.

وبالرغم ان العلاقة الامريكية السعودية مبنية على المصالح المشتركة الا ان أمريكا تتعامل في علاقاتها مع شركاءها وحلفاءها بالفوقية وهذا ما بدأت ترفضه الكثير من الدول منها تركيا والتعامل الأمريكي معها في صفقة طائرات F16 ودعم الجماعات المسلحة، وكذلك دولة الإمارات والمساومة في قضية صفقة طائرات F35 مقابل وقف اتفاقيات كبرى مع الصين في المجال التكنولوجي والمحطة النووية السلمية، فأمريكا تنظر إلى العالم بأنه الحديقة الخلفية لها، والعديد من دول العالم أصبحت      لا تقبل هذا النوع من السلوك الأمريكي.

فدول الخليج العربي أصبحت تنظر الى أمريكا كحليف غير موثوق وتريد البحث في الفضاء المتعدد الأقطاب وهذا الإتجاه يعزز أوراق المقايضة والمناورة لتلك الدول مع أمريكا التي لا تتردد في فرض وصايتها على الدول، فالعلاقة لدول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية تسير باتجاه الانفتاح على التنوع بعيدا عن العلاقات التقليدية التاريخية مع أمريكا.

بات واضحا وملحوظا تطور في السياسات الخارجية لدول الخليج نحو التقارب مع روسيا والصين مع المحافظة على يقاء العلاقة مع أمريكا، وهذا التقارب أعاق جهود الدول الغربية لعزل روسيا، مما أثار استفزاز وحفيظة أمريكا واتهمت أمريكا السعودية بشكل واضح بأنها تعمل لصالح بوتين وتعزيز موقفه ومنع عزله وخاصة في تسعيرة النفط الشهر الماضي.

فتعزيز الشراكة السعودية الصينية تأتي في إطار المعركة الاستراتيجية بين أمريكا والصين وأن زيارة شي جين بينغ الى السعودية تدخل السعودية الى منطقة نفوذ أمريكية، مما جعل الرئيس بايدن يصرح بأن أمريكا لم تترك فراغا تملئه الصين وروسيا وإيران في إشارة واضحة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، لكن في الحقيقة زيارة الرئيس الصيني وما تبعته من شراكات استراتيجية تمثل بالنسبة للصين فرصة لتوسيع حضورها الجيو سياسي في الفناء الخلفي السابق لأمريكا.

فهذه الزيارة أحدثت ضجة كبيرة في البيت الأبيض ووسائل الإعلام الأمريكية واعتبرت CNN  الأمريكية أن زيارة الرئيس الصيني للرياض تحمل رسالة ضمنية لأمريكا ولم يخفوا المخاوف الأمريكية من النفوذ الصيني في الخليج والشرق الأوسط وأبدوا قلقهم من الأبعاد الأمنية في التعاون بشبكات الاتصالات ومشاركة الصين في مشاريع البنية التحتية في دول الخليج ومشاريع الطاقة.

فالصحفية الصينية الشهيرة فيحاء وانغ شين وهي مقربة من صانعي القرار، اعتبرت الصين والسعودية مهمتان في العالم وأن بكين بدأت شراكات استراتيجية مع الدول العربية لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وبعثت أمريكا عبر عدد من المسؤولين تحذيرا لشركاءها في الشرق الأوسط في حال تعاونهم الوثيق مع الصين.

وعبر كولن باول وزير الدفاع السابق عن أن التعاون الوثيق مع بكين لا سيما في القضايا الأمنية ستكون نتائجه الاضرار بالتعاون مع واشنطن في اشارة واضحة لدول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية التي تعتبر أكبر مصدري النفط للصين والذي تبلغ صادراتها حوالي خمسين مليار دولار سنويا.

يأتي التطور للشراكة السعودية الصينية في إطار سعي الرياض لتوسيع تحالفاتها الدولية بما يتجاوز شركاءها التقليدين والتاريخيين , فالمملكة العربية السعودية بدأت بمحاولة اعادة تعريف للعلاقة مع أمريكا واللجوء الى إعادة الاعتبار والعمل على بناء علاقات اقتصادية وتعزيز العلاقات السياسية مع العديد من التكتلات العالمية والتي كان يشوبها الجمود والفتور في السابق مثل روسيا والصين.

من الواضح أن السعودية تريد ارسال رسالة للطرف الأمريكي بعدم الرضا عن السلوك والسياسة الأمريكية تجاه السعودية وأنه لا خطوط حمراء في فتح أو تطوير أي علاقة مع تلك التكتلات العالمية والتي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع أمريكا, فالمملكة العربية السعودية تدرك جيدا ثقلها وحجمها ومكانتها فهي تتمتع بمزايا ثلاث لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتجاوزها وهي: الأهمية الجيوبوليتيكية والأهمية الدينية والأهمية الاقتصادية, فهذا التغير الدراماتيكي في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية اصاب الأخيرة بحالة من الصدمة والدهشة خاصة أنها لم تتعود على هذا السلوك السياسي والذي تريد من خلاله المملكة العربية السعودية أن توصل رسالة عدم رضا للسلوك الأمريكي تجاهها وأن العلاقة يجب أن تكون على مبدأ الشراكة والاحترام المتبادل وليس على مبدأ الوصاية والإملاء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.