“رسالة الماجستير… بعيون علمية”
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات الضيفي
“العلم… اعظم من الانانية !!!”
رسالة الماجستير هي نوع خاص من العمل العلمي، وانعكاس للبحث العلمي، عبرها يتم تحقيق الإبداع كعملية إتقان علمي للواقع وخلق قيم علمية تثري العلم نفسه، وتدخل بنظام المفاهيم العلمية التي تضمن عمل الأشكال الأساسية للمعرفة في الاتصال العلمي، مما يجعل من الممكن تحقيق الوظائف الرئيسية للعلم كالوصف والتفسير والتنبؤ والتعميم وتنظيم الظواهر وحقائق الواقع، كما ويتم فيها تسجيل كل من الشروط الأولية للبحث العلمي بالإضافة إلى مجمل دراستها والنتائج التي تم الحصول عليها، وفيها لا يتم وصف الحقائق العلمية ببساطة وانما يتم إجراء تحليلها بشكل شامل يعكس بشكل ملائم كلاً من الأساليب العلمية العامة والخاصة للمعرفة العلمية وفي كل حالة محددة لتطبيقها.
ومن وجهة نظر الديناميات العامة فالرسالة العلمية أفكارًا ومفاهيم وحقائق جديدة تصب في الاستخدام العلمي، وإن مضمونها عادة ما يعكس جوهر الظاهرة والنمط والعامة، ويعكس مفهوم طالبها هنا بدقة عبر وضع المشكلة في العلوم بالتوافق مع الاتجاه الرائد للمعرفة علمية كي يتم التعرف على هذا المفهوم على أنه سليم بالمعنى العلمي، أي ضمان نمو المعرفة العلمية سعياً إلى إثبات الحقيقة العلمية، كون الرسالة نتاجًا للإبداع العلمي وتحقيقا لوحدة الحقائق العلمية الموضوعية وتقييمها الذاتي، كما انها لا تستبعد في محتواها اللحظات الذاتية التي قدمتها الشخصية الإبداعية لأن هناك دائمًا حقائق مثل المعرفة والخبرة الشخصية والآراء والتفضيلات بسبب الظروف الاجتماعية والتاريخية لإعداد الرسالة، ولربما هذا هو الذي يفسر لماذا في العلوم يتم تفسير نفس المشكلة بشكل مختلف من قبل الباحثين، ويدفع كل عالم ليتعامل مع المشكلة والحل من زاوية معرفته وخبرته الشخصية. وعلى كل حال تتجلى أصالة الرسالة بحقيقة أنها تنظم فيها الحقائق العلمية المتراكمة حسب تقديرها الخاص وتثبت القيمة أو الأهمية العملية لمواقف معينة، ولا تعتمد على السلطة أو التقاليد أو الإيمان، وانما عبر الوعي بالمعتقدات في حقيقتها على أساس الأهمية العامة للمجتمع وحسب المعايير والضوابط العلمية، مما يعكس خاصية المعرفة العلمية فيما يتعلق بالآراء والأفكار القائمة، مما يعني أن محتوى الرسالة يتميز بميزة الوجود في المناقشة والمواد الجدلية المتعلقة مراجعة الآراء الموجودة، مما تتطلب تفاصيلها إثبات جميع الأحكام العلمية المسجلة في محتواها، واستخدم جميع أشكال الإثبات العلمي والتأكيد كحجج. وليس فقط المحتوى وانما أيضًا شكل الرسالة فهو نوع خاص من العمل العلمي، يتميز بدرجة عالية من التجريد والاستخدام النشط للتفكير المنطقي، وعرض مفصل للمشكلات المثارة ودقة البيانات الفعلية، وبالنسبة لنص الرسالة العلمية فيوجب تقديم وفرة من المفاهيم الخاصة المقدمة بدون تفسيرات إضافية، ووجود جميع أجهزة الإشارة المتاحة لمؤلفها كمصطلحات خاصة ، رموز ، صيغ ، رسوم بيانية ، مخططات ، خرائط، رسومات ، رسوم بيانية، والجداول ، وما إلى ذلك، أي أن كل شيء يتكون من “لغة العلم”، والتي لا يمكن فهمها إلا للمتخصصين.
ونظرًا لأن الرسالة العلمية تتميز بوحدة المحتوى والشكل، فإن قيمتها التواصلية يتم تحديدها إلى حد كبير من خلال درجة توافق هيكل عملها مع تفاصيل تطوير موضوعها أي الاختيار الصحيح لتسلسل تقديم مواد البحث العلمي، وحالة اختيار شكل تنظيم المادة التي تتطابق بشكل وثيق مع خصائص الموضوع القادرة على العمل بفعالية في نظام الاتصال العلمي. بينما يكون هيكلها هو أحد مستويات الانعكاس للمفهوم العلمي للمؤلف، وهو وسيلة لتحقيق الترابط بين عناصر المحتوى، والذي يتم تحديده من خلال عكس المنطق الداخلي لتطور الدراسة، فيعكس إلى أقصى حد الأهمية والقدرة العلمية لكل جزء للتركيز على أهم جوانب البحث بالمعنى العلمي، ويجعل أيضًا من الممكن التحقق من الاتساق المنطقي والاتساق لبرنامج البحث المنصوص عليه في عملية تكوين المعرفة الجديدة. وتعتمد فعالية بنية الرسالة العلمية إلى أقصى حد على مدى استيفاء نصها لمعايير النزاهة والاتساق والترابط، بالإضافة إلى معيار التناسب بين أجزائها، لذا يتطلب معيار النزاهة أن نأخذ في الاعتبار خصائص الكل والأجزاء في وحدتهم التي لا تنفصم فلذلك فإن بنية الرسالة العلمية هي وحدة واحدة بجميع عناصرها، وكل عنصر من عناصرها هو جزء من العمل ككل، وإن أي انتهاك لهذا يستتبع حتماً عشوائية وانتقائية تقديم المادة العلمية، ولهذا يتطلب معيار النظامية النظر في عناصرها كنظام يتكون من تفاعلها، والذي لا يسمح بالاتحاد الميكانيكي الرسمي للعناصر المتشابهة. ومن الامور المهمة فيها هو الاتصال الذي يعد معيار لها وهو شرط مسبق لوجود نصه كبنية محددة، ويضمن الترابط والارتباط بين أجزاء مختلفة من النص، مما يشير إلى فعالية تسلسل المعلومات العلمية التي اختارها المؤلف. كما ان الجودة العضوية لهيكلها هي مطابقة لحجم جزء معين من النص مع أهميته الدلالية وقدرته العلمية فتضمن هذه الجودة وزن المعلومات المقدمة في هذا العمل وانعكاس لمنطق تفكير كاتبها، وهكذا فأنه ليس من المعتاد أن يعطي مؤلفها تقييمًا للمواد المقترحة لأن أسلوب الكلام العلمي هو مونولوج غير شخصي، فتنظم قواعد الاتصال العلمي بشكل صارم لطبيعة تقديم المعلومات العلمية، مما يتطلب رفض التعبير عن رأيه في شكل محض، فيستوجب بمؤلفها استخدام تركيبات لغوية تستبعد استخدام الضمائر الشخصية وهذا ينطبق بشكل خاص على الضمير “أنا”، كما ويتم استبعاد جميع التفضيلات الشخصية، ولحظات التقييم التعبيري عن عمد من نص الرسالة، والتي يجدر ان يكون تصميمها اللغوي عقلاني للغاية ويقع داخل حدود الأسلوب العلمي للكلام، فيكون المطلب الرئيسي هو الحد الأقصى من المعلومات مع الحد الأدنى من الوسائل التي تنفق على تعبيرها وموضوعيتها ودقتها وإثبات جميع الأحكام والتقديرات والنتائج والوصايا.
اترك تعليقاً