أبحاث الدماغ البشري وكيفية توظيفها في حفظ آيات القران الكريم والاستراتيجيات التعليمية المناسبة لها

أبحاث الدماغ البشري وكيفية توظيفها في حفظ آيات القران الكريم والاستراتيجيات التعليمية المناسبة لها

الدكتورة ايثار عبد المحسن المياحي 

بســـــم الله الرحــمن الرحيــــم

(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) )الإسراء:36

كما نعلم بأن القران الكريم يخاطب الانسان بوصفه كائناً عاقلاً ومتميزاً عن غيره من المخلوقات , ولم يعرف القران الكريم العقل بذاته بل عرفه بصفاته و وظائفه التي يقوم بها مثل التعقل و التبصر و التدبر ونحو ذلك من وظائف العقل .

    ان ابحاث الدماغ لها الفائدة لحفظ آيات القران الكريم كون ان المعرفة المجملة بتشريح الدماغ  والعمليات العقلية التي تجري فيها تساعد في عملية فهم المعلومات , وبما ان الدماغ يعتبر هو مكان التعلم عند الانسان وبالتالي من الضروري ان يتعرف المعلمين و المتعلمين الى تركيب هذا الدماغ وعمله واستراتيجيات توظيفه .

هناك الكثير من نتائج الابحاث أظهرت نتائجها أن الدماغ هو يمثل قاعدة العقل ومحوره الأساسي، ومن ثم فإن الدماغ هو مناط السلوك الإنساني ومصدره حيث يؤثر ويتأثر بالمعرفة الإنسانية باعتباره أساس النشاط العقلي المعرفي،

    ان دماغ الانسان يستطيع ان يقوم بعمل مالا تستطيعه الوسائل التكنلوجية الاخرى ويمثل عضلة تحتاج الى عملية التدريب والتمرين المستمر بالشكل الذي يجعله يمتلك دافعية للتعلم , ويكسب المتعلمين قدرة على التفكير والابداع والتفوق للوصول الر الرقي بالأداء العقلي لديهم  وهذا ما دفع وادى الى اهتمام علماء النفس بالوظائف و القدرات العقلية المتمثلة بـ ( التعلم والتذكر و التفكير) و اهتمام التربويون على تطوير استراتيجيات تربوية تستند الى ابحاث الدماغ وتوظيفه , اذ ان عملية معالجة المعلومات اثناء تواجدها في الذاكرة تمثل تطبيقات بسيطة للتداخل بين التربية ووظائف الدماغ لتحقيق التعلم الفعال.

ان الانطلاق من علم القرآن وآياته هدفه اساساً لبناء الانسان , ويفتح الباب واسعا ًامام العقل لينبط من انواع العلوم , وان ابراز الاعجاز العلمي في آيات القران الكريم من خلال استراتيجيات حفظ الآيات القرآنية الكريمة .

وان عملية حفظ القران وآياته حسب العديد من التعريفات العلمية هي عملية حفظ الآيات من خلال قدرة المتعلم (الفرد) على قراءة القرآن عن ظهر قلب و استظهارها واسترجاعها عند الحاجة اليها . وحسب ما اشارت اليه الابحاث ان هناك  علاقة ترابطية بين الدماغ والتذكر والحفظ , اذا توصلوا الى هذه العلاقة الترابطية بين تركيب الدماغ وما يتم القيام به من عمل في الحياة , ومما يسهل على الدماغ كيفية الحفظ والتذكر هو الحفظ والتذكر نفسه , ومن نتائج الابحاث الطبية في جامعة واشنطن ان مناطق عديدة من الدماغ تضيء عند اجراء عملية مسح لها باستخدام بعض الاجهزة وهذا ان دل يدل على ان ادمغتنا سريعة في اعادة التنظيم .

ان للذاكرة تعاريف متعددة ولكن تعريف الذاكرة وفق نظرية ابحاث الدماغ اكدت على انها احداث تغيير كيميائي كهربائي متواصل في الدماغ يحدث في خلايا الاعصاب من خلاله منبه عابر . او هي عملية اتصال خليتين عصبيتين مع بعضهما البعض .

نحن نعلم أن بنية الدماغ تتغير فعلياً من خلال عملية التعلّم وايضا استخدام استراتيجيات تعليم متنوعة لجذب اهتمامات المتعلّمين وإعطاء الفرصة للطلبة بالتعبير عن رغباتهم المختلفة والمتنوعة .


اما حول كيفية قيام الدماغ بعملية الحفظ : اذ ان افضل طريقة يحفظ بها الدماغ طبيعياً , وذلك من خلال الرجوع الى الابحاث المتعلقة بالدماغ ووظائفه والذي يؤدي الى التعلم وتتحدد في ضوءه عملية التعلم وملامحها . وهناك استراتيجيات متعددة في حفظ القران الكريم التي اقترحتها ابحاث الدماغ ومن ضمنها تنمية مهارات التفكير العليا عند المتعلمين .

ويمكن ان ندرج بعض استراتيجيات حفظ القران الكريم :

اولا : عن طريق السماع والاستماع :  من الواضح ان هناك آيات كثيرة في القران الكريم اشارت الى قيمة السمع واهميته وفائدته في التلقي ( ربنا انا سمعنا مناديا ينادي للأيمان ان امنو بربكم فأمنا ) وينهى القران ايضا عن عدم استخدام السمع في سماع ما يجب سماعه ( ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم اذان لا يسمعون بها ) . حيث ان الاستماع يتمثل في اعطاء الاهتمام والعناية لاستقبال الاصوات والمعلومات لغرض فهم المضمون . وبذلك قد تم النشاط الذهني وليس اذنيا كما في السماع , وان مهارة الاستماع لها اهمية في تعلم القران الكريم وحفظه .

ثانيا : عن طريق الاصغاء : لوحظ من طرق تحسين الاصغاء من اجل الفهم هو عملية تنظيم العلاقات بين الاستماع والكلام وتوجيه انتباه المتعلم وممكن اين يتم عرض انواع مختلفة من المدخلات المرتبطة بموضوعات القران الكريم مثل  ( المحاضرة , الراديو , الافلام , الالعاب التلفزيونية , المحادثات اليومية , المقابلات , الاناشيد , الصور , المخططات , وايضا بالإمكان اختيار آيات قرآنية للمتعلمين تناسب المستوى المعرفي لهم .

ثالثا: عن طريق القراءة : نجد ان قراءة القران والعلم بكيفية اداء كلماته كفيلة بحفظه والاداء في القراءة يعني حسن الاستماع وقراءة المتعلم للوصول للداء الصحيح . ولقد اشارت العديد من الابحاث السابقة الى اهمية الذاكرة العاملة في عملية القراءة وذلك من خلال وصول الكلمات الى الذاكرة وتبدأ حينها عملية الفهم وهي مهمة في عمل الذاكرة الصورية . هناك مناطق من الدماغ مسؤولة عن القراءة وان الجزء المسؤول عن اللغة المنطوقة في القران في الدماغ يقع في الفص الامامي الثالث من الدماغ الايسر وتسمى هذه المنطقة ( بروكاBroca’s Area  ) وهي المنطقة الامامية اليسرى في الدماغ . واظهرت الدراسات العصبية ان مناطق الدماغ المستخدمة للقراءة بوجه عام هي نفس المناطق التي تتعلق باستخدام اللغة الشفوية في الدماغ والتي تستخدم في الفهم .

ثالثا : عن طريق القراءة التصويرية  : نقصد بالقراءة التصويرية مشاهدة كلمات الآيات القرآنية الكريمة في المصحف الشريف بدقة كاملة , ومشاهدة صفحات القران الكريم واسطر اياته الكريمة , ويتم فيها الاستخدام الكلي للدماغ  .

من خطوات القراءة التصويرية هي الاستعداد ( Prepare ) والتي يتم من خلالها تجهيز نسخة المصحف الشريف الذي تود قراءته مع اختيار المكان المناسب للقراءة والبيئة المناسبة . وتحديد هدف واضح للقراءة ويتم فيها استعراض الآيات قبل مراجعتها , وقبل البدء بحفظها والهدف منها عمل اشارة رادار للدماغ للبحث عن النتائج التي نريدها وهذا يتم من خلال الاسترخاء للقارئ وابعاد القل والتوتر ويتم من خلال الاستعداد والتفكير عدة مرات بأبعاد التدخلات الخارجية من الذهن او التخيل , والقيام بالتركيز والتأثير والهدفية حيث تقوم بأثارة الخلايا العصبية في الدماغ واستخدام كامل لقدرات الدماغ وليس كما في القراءة التقليدية ويتم فيها تدريب البؤرة التصويرية في الدماغ لتسهيل ادراك المعلومات , مع استخدام الاسترخاء لان العقل يصدر موجات كهرومغناطيسية ( الفا وبيتا و دلتا وثيتا )

رابعا : عن طريق التكرار : تستخدم هذه الطريقة من اجل حفظ القران الكريم في الذاكرة العاملة لفترة طويلة ويتم تخزينها ثم اجراء المعالجات عليها في مناطق الذاكرة العاملة الموجودة في الدماغ , بعدها يتم انتقال هذه المعلومات ( الآيات ) الى الذاكرة الطويلة المدى .

ومن انواع التكرار المستخدم (التكرار من اجل الابقاء او التكرار الروتيني   (Rote Rehearsal  ) وهو دوره فقط من اجل انعاش اثار الذاكرة ويكون الترميز للمعلومات فيها بشكل سطحي . والنوع الاخر من التكرار هو التكرار التطوري الاتقائي ( التوسعي ) (Elab- orative Rehearsal  ) ويتم ترميز المعلومات فيه بشكل اعمق ويتم عملية ربط الآيات القرآنية الكريمة المراد تذكرها بآيات أخرى او معلومات أخرى موجودة سلفا في الذاكرة الطويلة المدى .

خامسا : عن طريق تقنيات مساعدات التذكر : تقوم هذه التقنيات بربط الآيات القرآنية الكريمة المراد حفظها مع ما تعرفه من معلومات سابقة , وبالتالي فأن الدماغ يتعلم من خلال القيام بعمل شبكات ما بين المعلومات الجديدة والمعلومات القديمة . وهي عملية تساعد على تذكر المعلومات المراد تذكرها من خلال المعرفة وهي تتطلب جهدا ذهنيا لاسترجاع المعلومات عند الحاجة . ومن هذه الاستراتيجيات هي ( استراتيجية الامكنة واستراتيجية الكلمة المفتاحية واستراتيجية التأمل ) واستراتيجية التوليف القصصي ) .

خامسا : عن طريق بناء القواعد المنظمة للمعرفة : تتم هذه الطريقة من خلال استخدامات عدة استراتيجيات منها (استراتيجية الخرائط المفاهيمية ( العقلية ) اي محاولة تحويل النص المراد تذكره الى خارطة مفاهيمية تربط بين مفردات النص القرآني الكريم من خلال وجود علاقات مترابطة , واستراتيجية ( Pq4r ) وهي تناسب المتعلمين في حفظ الآيات والتفكير فيها من خلال اتباع الخطوات المهمة لها وهي ( التمهيد والذي يقوم بألقاء نظرة عامة على النص وايضا الاسئلة عن الآيات والخطوة الاخرى القراءة للآيات القرآنية بعناية شديدة والخطوة الاخرى هي التفكير في الآيات وربط المعلومات والتسميع لها واعادة النظر بعد الانتهاء من حفظ الآيات .

أكاديمية وباحثة عراقية

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.