التملق الوظيفي آفة تتجول في أفنية المؤسسات

التملق الوظيفي آفة تتجول في أفنية المؤسسات

أ. ناهض سالم أبو منديل

مجتمعات بشرية منها المتقدم الحضاري والأخرى في طورها النامي، لا تخلو من العيوب والاسقام الاجتماعية، لكنها!!! تختلف في معدلاتها وأحجامها من مجتمع لأخر، وهذا يرجع لدرجة الوعي التي يمتلكها المجتمع، ومدى تمسك أفراد المجتمع بالقيم والمبادئ المثلى، والحفاظ على العمق الحضاري والبعد الثقافي الاجتماعي.

تطل علينا في وقتنا الحاضر آفة تحمل في طياتها شتى أنواع التجرد من الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية، والتي عرفتها وعانت منها المجتمعات القديمة أيضاً ومازالت المجتمعات تعاني من آثارها، ألا وهي آفة التملق الوظيفي، والتي تعد من الأمراض النفسية الاجتماعية، جاعلة من ضعاف النفوس رهائن لها، فيتجردون من معاني الأخلاق والقيم النبيلة، بغية التسلق والوصول إلى منصب ما، أو لتحقيق أهدافاً ذاتية غير مشروعة، مما ينتج عنها سبباً رئيساً في هدم بنيان المجتمع، شأنها شأن الكذب والغيبة والنميمة والنفاق والحسد والمدح النفاقي، والدعاية الوردية والحربائية في تلونها، فقد باتت هذه الآفة سلوكاً ونهجاً للعديد من الموظفين ضعاف النفوس، ضاربة بمخالبها خاصرة بيئة العمل، ولا يختلف أحداً على أن وجود مثل هذه العمليات الاجتماعية المتوشمة بغياب الضبط الديني، والأخلاقي، والقيمي في أي مكان، سواء العمل السياسي والحكومي وحتى داخل النسيج الاجتماعي والعلاقات الأسرية، قادرة على هدم المجتمع بأسره، وكأنها قنبلة نووية تمسح آثار المجتمعات البشرية من الوجود.

واطلق علماء النفس الاجتماعي على هذه الآفة العديد من المصطلحات منها:( مسح الجوخ، ادهن السير يسير، الاستقماط)، وأضيف لهذه المصطلحات مصطلح( هز الذنب) والذي يتداوله الكثير لوصف هذه الآفة، ويستخدمها المتملق أو المتسلق للمناصب والوظائف للبحث دائماً عن معاملة ومكانة وظيفية أفضل من زملائه، والتقرب من المسؤول الأعلى منه، متبعاً وممارساً أساليباً مناهضة للمعايير الأخلاقية للوظيفة، وقواعدها المهنية السامية وقيمها التربوية، ونجد أن هذا الشخص يتحدث بلغة التملق اللا أخلاقي واللا قيمي بدون وعي قيمي أو ذوق إنساني أو أي منهج حضاري.

لكن العجيب في ذلك الأمر، أن المتملق لا يدرك أن هذا السلوك الذي يتبعه، هو انحراف عن الضبط الشرعي والقيمي والتربوي المخالف للفطرة الإنسانية، كما أنه لا يليق بأخلاقيات المسلم الحقيقي ولا باتباع نهج رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ)، وهذا على النقيض تماماً مع الموظف الحقيقي الصادق، ذو الانتماء الحقيقي لدينه ووطنه، المتوشم بالمبادئ والقيم السامية، والذي يفرض احترامه بأخلاقه ونشاطه وعمله المتقن وجهده الواضح في عمله، العامل بروح الجماعة، وحسن تصرفاته مع الآخرين ذو المكانة الأعلى، والذي يجعل من إنتاجيته في عمله وسيلة لنجاحه وتقدمه وتميزه الوظيفي عند مسؤوله المباشر.

ولحامل هذه الآفة أخطار جمة على نفسه وعلى الآخرين بل وعلى المجتمع أيضاً، فهو متلون كالحرباء عند المواقف والمصالح، مترتباً على ذلك تجرده بكل غباء وقبح من منظومة القيم والمبادئ الأخلاقية، محاولاً بذلك كسب ود رئيسه في العمل بأي وسيله كانت، بل وعلى حساب زملائه في العمل، وذلك من خلال نقل المعلومات المفبركة والمغلوطة والمتصبغة بصيغة الكذب عن أحد زملائه، هادفاً بذلك إثارة غضب رئيس العمل وتشويه صورة زميله لغرض في نفس يعقوب!!!

ومن صور التملق التي يتخذها ذلك المتملق تقديم الهدايا لرئيسه بالعمل، وتزيين صورته أمام الآخرين، وتقديم الخدمات الشخصية التي ليس لها علاقة بالوظيفة، إلى جانب ذلك كله، مدح المسؤول بما لا يستحق أمام المسؤولين، إضافة لذلك أيضاً الإساءة للآخرين.

وتكمن أخطار هذه الآفة في هدم مؤسسات المجتمع، لما لها أثر كبير في زعزعة نفوس الموظفين الآخرين، مؤدية إلى اللا مبالاه في العمل، والإهمال في الواجبات الملقاه على عاتق الموظفين، والتي من شأنها تؤدي إلى إجهاض العمل في المؤسسة وقلة خدماتها التي تقدمها للآخرين، فتصبح مؤسسة لا جدوى منها في المجتمع.

لذلك يتوجب علينا جميعاً محاربة هذه الآفة، والتصدي لها بكل قوة والحد من اتشارها بين أروقة المؤسسات، حفاظاً على تقدم ورقي مجتمعاتنا أسوةً بالمجتمعات الأخرى، وهنا نذكر بعض الطرق للحد من انتشار هذه الآفة ومنها:

  1. التوعية المجتمعية بهذه الآفة والأثار المترتبة على انتشارها، وهذا من خلال تفعيل   دور المؤسسات التربوية والتنشئة الاجتماعية.
  2. تفعيل دور الإعلام لرفع سقف الوعي وتنمية الاتجاهات الحضارية والسلوكية والفكرية والأخلاقية داخل المجتمع.
  3. العمل على مكافأة الموظف المتميز والمعتدل والأكثر إنتاجية.
  4. عمل ورش وندوات ودراسات وأبحاث حول هذه الظاهرة، وإيجاد الحلول لهذه الآفة.

وفي الختام أقول لكل من يحمل هذه الصفة المنبوذة مجتمعياً ومؤسساتياً، قف وفكر ملياً في تصرفاتك وطرق تعاملك مع المسؤولين، وقم بتعديل سلوك وابتعد عن النهج التملقي، واتبع دروب الجد والنجاح والكفاح والمثابرة، واعمل بروح الجماعة لكي ترسو السفينة إلى بر الأمان، ولكي تحظى بالاحترام والتقدير أمام أسرتك ومجتمعك وزملائك بالعمل.

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.