فلسفة المشروع الإصلاحي في الفكر الباديسي

فلسفة المشروع الإصلاحي في الفكر الباديسي

  بقلم الدكتور :محمد  عدنان بن مير   

في ظل الانحططاط الذي مني به العالم العربي و الاسلامي و تنمر الحركة الاستعمارية و ما صاحبها من استقدام لمفاهيم الحداثة و التنوير منها الراسمالية و الاشتراكية و الليبيرالية و العلمانية وما تبعها من تاسيس و تنظير لحداثة عربية التي كانت بمثابة عروة وثقى تمسك بها دعاة الحداثة و التنوير ظنا منهم تغيير الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية احداث طفرة نهضوية بتقليد الغرب تقليدا كاملا دونما محاولة ايجاد مشروع نهضوي مبني على فلسفة تاصيل المفاهيم وفقا للواقع العربي و الاسلامي  .

بحيث يبقى عامل التحرر و القومية مع المحافظة على الهوية العربية و الاسلامية عماد فلسفة نهضوية قائمة بذاتها حيث عملت فلسفة النهضة عند ابن  باديس في الجزائر على كبح جماح الاستغراب الفرنسي الذي حاولت السلطات الاستعمارية تكريسها من مبدا الجزائر الفرنسية بالعمل على طمس معالم الهوية العربية و الاسلامية لدى الامة الجزائرية الا ان رواد النهضة و الاصلاح انذاك المتمثل في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و اقطابها يتقدمهم الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي اسس لفلسفة نهضوية اصلاحية تتخذ من الانسان محورا لها باصلاحه حتى يتمكن من حمل الامانة واداءها الى الاجيال عملا ترسيخ القيم الاخلاقية و السلامية العربية في النشا و الامانة ههنا هي الاستقلال الجزائر عن فرنسا الاستعمارية هذا الانسان الذي تتخذه الفلسفة الاصلاحية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين محورا و موضوعا لها كان لزما عليه التمسك بمقومات الامة الجزائرية في بعدها العربي و الاسلامي  يختلف تماما عن التغريب الفرنسي و تعدت فلسفة الاصلاح لدى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للبلد الى لم الشمل العربي و الاسلامي على صعيد واحد اذ دعت الى ضرورة الوحدة المغاربية دون نسيان قضية الامة العربية و الاسلامية وهي تحرير فلسطين من اجل تجسيد هذه الاطاريح تاسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 1931 و التي لزالت تقوم بدورها الاصلاحي المشهود له بحفظ معالم الهوية العربية و الاسلامية للامة الجزائرية في مواجهة تحديات العصر و قد لاقت هذه الفلسفة الاصلاحية

النهضوية اقبالا من طرف الشعب الجزائري

اذ شكلت الحداثة و النهضة فلسفة تأصيل المفاهيم المستحثة من الفكر الغربي و اعادة صياغتها و ما يتوافق و القيم التي تحكم الشعب الجزائري درءا لفكرة الجزائر فرنسية التي حاول المستعمر انذاك ترسيخها يقوة الحديد و النار لكنه لم يفلح

و من اجل بلورة الفلسفة الاصلاحية و تعزيز النهضة الفكرية عملت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على اصدار جرائد بمثابة ناطق رسمي اعلامي اصلاحي على لسان حالها منها الشهاب  الصراط

ان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين اسست لخدمة الشعب الجزائري من الناحتين  العقلية و القلبية فهي تريد خدمة المجتمع بالعلوم و المعارف المنورة للعقل المزيلة للظلمات الجهل تريد اصلاح المجتمع ببث التعاليم الاسلامية الصحيحة و تلقين الآداب المحمدية . 1

و عليه استطاع الشيخ عبدالحميد ابن باديس بعمله النهضوي الاصلاحي ايجاد فلسفة اصلاح الانسان ذاته قبل اصلاح النظم و السياسات باعتبار الانسان هو المحور و المحرك الطبيعي لاي مشروع نهضة فركز على اصلاح الشباب و اولاه عناية بالغة الاهمية .

و هب ابن باديس نفسه خدمة للشباب ودفعه الى طريق القومية العربية فوجهه و علمه و حماه من الانحرافات التي فتح الاستعمار ابوابها امامه بما يباعد بينه وبين لغته و دينه و مجده .2

 كما ركزت فلسفة الشيح عبد الحميد ابن باديس على استقلال الجزائر اذ هو ضرورة حتمية لابد منها لاستكمال المشروع الاصلاحي و تحقيقه واقعا ملموسا تستنتج هذه الحتمية و الرغبة في استقلال الجزائر فيما يلي

ان استقلال الجزائر سنة من سنن الكون لا نزاع فيها وغير ممكن ان تبقى الجزائر ابدا مشدودة للهيمنة الاستعمارية لا بد ان تتحرر الجزائر و الاستقلال ات .3

كما عبرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رفضها لمحاولات دمج الامة الجزائرية في الامة الفرنسية من خلال معارضة دستور 1947 من حلال التصريح مفاده … ان دستور 1947 هو دستور ناقص من جميع النواحي لم يحقق رغبة من الرغائب الوطنية للجزائر و افاته انه فرض عليها فرضا . 4

يدعوا الشيخ عبد الحميد ابن باديس من خلال مشروعه الاصلاحي النهضوي الى جعل الدين الاسلامي مصدرا لاي اصلاح اخلاقي ثقافي اجتماعي فكري من اجل بعث عملية اصلاحية واقعية لذا على الامة الجزائرية اتباع المنهج الباديسي الاصلاحي النهضوي في ميدان اصلاح منظومة التربية و التعليم دلك ان المنهج الباديسي اهتم بفقه الانسان و النظرة الاستشرافية للواقع و الحياة بجميع مناحيها و حماية الفرد من اي انحراف عقائدي او اختراق فكري .

ان نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الاصلاحي و النهضوي لم يكن تنظيري فحسب و انما يتعمق في الحياة اليومية للمجتمع يشخص الداء و يصف الدواء و لم يكتسي طابعا استثنائيا .

ان اغلب رواد الحركة النهضوية كما تجلت مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و النتاثرين بها فيما بعد كانت تتولى المهمة الاساسية لها داخل المجتمع مثل التعليم و الارشاد و النظاهرات الثقافية .5

          وهذا ما مكن لفلسفة الاصلاح في الجزائر عدم بقاءها حبيسة لمقارعة الزمن و المكان بل ولجت عقل الانسان وواقعه اليومي و اصلاحه عقلا و دينا و حمايته من التيارات التغربية الحداثية و التنويرية التي لطالما طمست نورا بصبغتها التفكيكية و المادية و ضمان تمسكه بمقومات الشخصية العربية و الاسلامية الى ضرورة التحرر من قيود الهيمنة الاستعمارية و تأصيل مفاهيم الحداثة وفقا لمبادئ التي تحكم الشعب الجزائري و في ذلك رفض بين لتقليد الغرب ولبس ثوبه الحداثي التفكيكي التنويري الذي يحاول طمس نور الحضارة و الانسان العربي المسلم .

                                                                                الاستاذ محمد  عدنان بن مير                                                            

                                                                                              كاتب و باحث 

رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بلدية عين البيضاء ولاية ورقلة

 

المـــــــــــــراجــــــــــتع

 /1 مجلة الشهاب الجزء الخامس المجلد العاشر 16/04/1934   

 /2 الاستاذ محمد الحسن فضلاء شذرات من مواقف الامام عبد الحميد ابن باديس دار هومه للطباعة و النشر و التوزيع الجزائر 2010ص94

3 /الاستاذ محمد الحسن فضلاء المرجع نفسه

4 / اثار الشيخ البشير الابراهيمي الشركة الوطنية للنشر و التوزيع الجزائر 1982ص49

5/ علي مراد الحركة الاصلاحية في الجزائر بحث في تاريخ الديني الاجتماعي ص305

 

 

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.