في القدس ومستقبل التعليم العالي

في القدس ومستقبل التعليم العالي

أ.د. عماد عفيف الخطيب

خلال الأسبوع المنصرم أصدرت جامعة برنستون الأمريكية تقريرها حول الشركات المسماة “شركات اليونيكورن” التي يتعدى رأسمالها المليار دولار والتي أسسها طلاب الجامعات ولم تُدرج في سوق الأسهم. أُطلق إسم شركات اليونيكورن على هذا النوع من الشركات الناشئة في العام 2013 تيمناً بحصان خرافي ظهر في فلم خيال علمي، وتقديراً لحجم التحديات التي تواجه تأسيس هكذا شركات. في العام 2023 بلغت حصة طلاب الجامعات الأمريكية من مجمل شركات اليونيكورن حوالي 68% فيما توزعت باقي الشركات الناشئة على جامعات من دول أخرى. يصنف التقرير الجامعات الإسرائيلية في المركز الثاني في تأسيس شركات اليونيكورن وتتنافس مع الجامعات الهندية في البقاء بالمركز الثاني بعد أمريكا. وصل عدد شركات اليونيكورن الإسرائيلية الناشئة حتى اليوم 43 شركة علماً بأن جامعة تل أبيب تتصدر المركز الأول بين الجامعات الإسرائيلة. ولهذا يشير التقرير إلى أن العديد من شركات اليونيكورن تقع مقراتها في مدينة تل أبيب، ويضيف بأن بعض الشركات نقلت مقر عملها إلى أمريكا والإمارات العربية المتحدة إحتجاجاً على سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية. يتابع التقرير بأن مدينة تل أبيب تأتي في المرتبة الثالثة بعد مدينتي سان فرانسيسكو ونيويورك من حيث القيمة الإستثمارية لشركات اليونيكورن العاملة في مجال “الأمن السيبراني” حيث تعدت إستثماراتها سبعة مليارات دولار. وفي تعليقه على التقرير، أشار مسئول من جامعة تل-أبيب بأن “إنجاز الجامعة لم يكن سحراً، بل نتيجة دعم الدولة لمنظومة العلم والإبتكار وخطط إدماج مهارات ريادة الأعمال في جميع مراحل التعليم”.

إن ما يدفعني لكتابة هذه المقدمة، هو حال منظومة التعليم العالي الوطنية التي أسسها بعد “النكسة” قادة وطنيون أدركو أهمية وجودها حافظاً للهوية وللرواية وقاطرة للتنمية البشرية. وخلال مسيرتها أثبتت تلك المؤسسات منعتها في مواجهة التحديات الجسام، وخاصة أثناء إنتفاضتي الشعب الفلسطيني. واليوم تواجه تلك المؤسسات أزمات تهدد إستمرارها نتيجة لشح التمويل، وتراكم العجز المالي، وتدني جودة مخرجات بعضها، وضعف تأثير إنتاجها المعرفي. وليس سراً أن سبب هذا الحال هو غياب منظومة فاعلة للعلوم والتكنولوجيا والإبتكار، والسياسات الناظمة لحوكمة المؤسسات، وتطوير الرأسمال البشري، وتعزيز بنية المعلومات والرقمنة.

أما الكيان الإسرائيلي فقد تنبه لدور مؤسسات التعليم الوطنية في حفظ الرواية والهوية فأقر منذ العام 2018 خطة تنمية خمسية بميزانية تصل لمليار دولار تستهدف قطاعات تنمية المجتمع المقدسي. واليوم تستخدم هذه الخطة سياسة العصا والجزرة لتوجيه الشباب المقدسي لمؤسسات التعليم الإسرائيلية. كما أن مجلس التعليم العالي الإسرائيلي رخص جامعتين تقعان في مستوطنات مقامة في الضفة الغربية. وليس ببعيد أن تقوم هذه الجامعات بإستقطاب الطلاب من الضفة الغربية للتسجيل بها، ولنا في إستقطاب العمالة الفلسطينية للعمل في بناء مستوطنات الإحتلال العبرة علّنا نستخلصها. يضاف لهذا التحديات العالمية التي تواكب رقمنة قطاع التعليم العالي مما فتح الباب على مصراعيه للجامعات العالمية المرموقة أن تروّج لهذه “السلعة” حول العالم حيث تسمح للطلاب الأجانب بالتسجيل والحضور وتقديم الإمتحانات “إفتراضياً” والتخرج بشهادة جامعية.

إن تدارك ما يجري للتعليم العالي الوطني يتوجب أن يكون في بؤرة خطط التنمية، ولنا عبرة لنستخلصها من تجارب دول إستثمرت بداية في منظومات التعليم الوطنية إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تطور.

وللإبقاء على هامش من التفائل في سياق مشهد محبط، فإن بارقة الأمل هي في العديد من الكفاءات الوطنية في الشتات والداخل الفلسطيني التي لن تبخل، إذا ما أحسن إشراكها، في تحقيق ما نصبو إليه والذي لم يكن ولن يكون “سحراً”.

شارك هذا المنشور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.