الاكتناز القهري …!
د .نيرمين ماجد البورنو
سأخزن كل ما تقع عليه يدي من أوراق و صحف وعملات وهدايا وملابس وفواتير المياه وصناديق وعلب مساحيق الغسيل, أفكار وأفعال قهرية لدي كثير من الناس الذين يعانون من مرض الاكتناز القهري, فما هي الأسباب التي تدفعهم للقيام بتلك التصرفات؟ و ما هو الاكتناز القهري؟
اضطراب نفسي يميل المصاب به إلى تجميع والاحتفاظ بالأشياء لسنوات طويلة بصورة قهرية ورفض التخلص منها مهما كانت تالفه أو غير ضرورية أو بالية اعتقادا بانه سيحتاجها في يوم من الأيام, أو ربما لأنها تحمل بين طياتها رائحة وذكريات الماضي لتمثل كنزا لا يمكن التفريط فيه مهما مر الزمن، الا أنه يحتفظ بها في الغرفة والأدراج من ورق جرائد وأطعمة ومجلات ومستلزمات غير مفيدة وحتى القمامة، وملابس قديمة لم تعد مناسبة أو صارت مهترئة، وأثاث تالف ومكسور ،ما يجعلها تتراكم في منزله وعمله بشكل مزعج وفوضوي ومقزز, وعند محاولة التخلي عنها يتعرض المريض للاكتئاب والحزن الشديد تجعل من الحياة في منازلهم العامرة بالفوضى جحيم مستعر وتمنعهم من الحركة وتُصعّب من عملية التنظيف، ويتجمع بسببها الحشرات والقوارض, وهو ما يطلق عليه علميا مرض الاكتناز القهري” Compulsive Hoarding”, وقد أوضحت كثير من الدراسات النفسية أن هذا الاضطراب أكثر انتشارا بين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الوسواس القهري والاكتئاب, إذن اضطراب الاكتناز القهري يعد من الاضطرابات النفسية النادرة التي تجعل المريض يشعر بالأمان النفسي عند الاحتفاظ بجميع المقتنيات التي جمعها على مدار حياته اعتقادا منه أنه سيستفاد بها في المستقبل, كما يميل بعض المصابين بهذا الاضطراب للاحتفاظ بالعشرات من الحيوانات الأليفة في منازلهم، رغم صعوبة الاعتناء بهم بالشكل الصحي الصحيح, ويعاني المصاب بهذه المشكلة أيضا من القلق والخوف وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، كما أنه ينعزل عن المجتمع ومن حوله، وربما تعمد جمع الطعام والأغراض خشية الموت من الجوع، وأيضاً حماية من المعتدين.
وهذا الاضطراب لا يرتبط بعمر معين فقد يصيب الفرد في أي مرحلة في حياته ولكنه أكثر انتشارا بين كبار السن, ويمكن أن يتوارث الأشخاص هذا الاضطراب والهوس في جمع القديم من الآباء والأهل , ويشير بعض الأطباء والدراسات ان أعراض ذلك الاضطراب يظهر في العادة بداية من مرحلة المراهقة، بين الحادية عشرة والخامسة عشرة، وتزداد سوءاً مع التقدم في العمر، وربما بدأ بعض الأطفال الأصغر سناً في الاحتفاظ بأشياء، مثل ألعاب محطمة أو أقلام رصاص مكسورة أو أوراق مدرسية قديمة، ويعتبر هذا الاضطراب أكثر انتشاراً بين البالغين بصفة عامة, وتشمل الأعراض عجز المصاب عن التخلص من الأشياء التي يحتفظ بها بصرف النظر عن قيمتها، وما إذا كان يستخدمها هو أو أحد أفراد الأسرة.
تعلق مرضي الا ان هناك فرق كبير يجب أن نعية وهو ان هناك فرق بين الاكتناز القهري وهواية جمع المقتنيات القديمة, فغالبا يتسم هواة جمع المقتنيات بالتنظيم لهذه الذكريات التي جمعوها ويكون الدافع من وراء ذلك هو الاحتفاظ بها كذكري جميلة من صديق أو حبيب مثل هواة جمع الطوابع أو أعداد المجلات القديمة أو العملات المالية أو حتى جمع طراز معين من السيارات, لكن الاكتناز القهري هو تحويل البيت الى فوضي شديدة لان الفرد يحتفظ بكل الاشياء عديمة الفائدة والأهمية والقيمة معتقد منه انه سوف يحتاجها في يوم من الأيام ويحول مسار حياة المصاب به ويتسبب في إصابة حياته بالشلل.
ومن أشهر حالات الاكتناز المعروفة، حالة الأشقاء هومر ولانجلي كولير، اللذان لقيا حتفهما بسبب اضطراب الاكتناز القهري في منزلهما الكائن في مانهاتن عام 1947، حيث وجدت جثة أحدهما تحت أطنان من أوراق المجلات والصحف التي كان يجمعها، وقال رجال الشرطة إن الآخر مات جوعًا، أو ربما بسبب أحد الأفخاخ الموجودة في المنزل والتي وضعاها من أجل إبعاد الناس عن الدخول لمنزلهم, ووجد رجال الشرطة أطنانًا من الأشياء الغريبة المجمعة داخل منازلهم، بداية بأطنان من الصحف والمجلات، مرورًا بأثاث تالف، صناديق نفايات، 25 ألف كتاب، شاسيه سيارة قديمة، جزء من عربة تجرها الخيول، مئات الأمتار من أقمشة وحرائر لم تستخدم قط، أعضاء بشرية محفوظة في محاليل ملحية، إطارات سيارت نقل، والكثير الكثير من الخردة والأجزاء المعدنية.
وبالنسبة لعلاج ذاك المرض فانه لا يوجد حتى الان علاج دوائي خاص بهذا الاضطراب وما يصفه الأطباء في هذه الحالة مجرد مسكنات ومضادات للقلق والاكتئاب, وأكثر الأدوية الرائجة في الاستعمال هي التي تمنع إعادة امتصاص السروتونين ، وبالتالي ازدياد نسبته في الجسم فهو كما معروف عنه يسمى بهرمون السعادة, أما بالنسبة للعلاج النفسي فقد أظهرت النتائج والبحوث جدواها وتأثيرها المهم خصوصا العلاج المعرفي السلوكي والذي يتم من خلاله تغيير أفكار المريض وسلوكياته عن طريق التحدث مع المريض والرجوع الى تاريخه العائلي وبالتالي تغيير نمط حياته بشكل عام , ويقوم المعالج بالاستفسار من المريض عن السبب وراء تكديسه كل هذه الأغراض كما أنه يقوم بمساعدته في تعلم أساليب ترتيب وتصنيف الأشياء حتى يتجنب أن تشغل حيزاً كبيراً، مع التخلص من الممتلكات غير المفيدة أو المهمة, وتحفيزه على تحدى هذه العادة وتعزيز مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلة, لان المصاب لا يعي أن تلك الأمور زائدة وبلا فائدة ولكن بالعلاج يصل الى تصديق هذه الفكرة والقدرة على التخلص من هذه الأدوات, ويجب كذلك على المريض تذكير نفسه بأنه ليس مضطراً للعيش في فوضى وتوتر، وأنه يستحق أفضل من هذه الحياة , وانه قادر على بناء علاقات اجتماعية فعالة, وبالتالي تعد العلاجات المعرفية والسلوكية هي الأنسب والأجدى للتعامل مع مثل هذه الحالات، فقد حققت معدلات نجاح علاجية جيدة حتى وإن استغرقت العملية وقتاً طويلاً.
اترك تعليقاً