الِانْقِسَام الْفِلَسْطِينِيّ . . . مَعْرَكَة اللَّا رَابِحٌ والخاسرون جميعاً . . . !
د. علي النزلي
من أسوأ أنواع المعارك التي يخوضها الخصوم هي المعركة التي يخسر فيها الجميع ولا يربح فيها أحد وهذا ينطبق على كل مجالات الصراعات والخلافات والحروب والتناقضات بين الأطراف و الدول و الأقطاب والتحالفات والمحاور.
ولعل الخلاف الفلسطيني الفلسطيني يمثل علامة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية لما مثله ويمثله من تداعيات خطيرة على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية فهو لا ينعكس على الفصيلان المختلفان, وهما فتح وحماس فقط إنما مثل هذا الخلاف شكلاً من أشكال التهديد الوجودي للقضية الفلسطينية برمتها, فلن تقوم قائمة للقضية الفلسطينية ولن تتقدم بل سيكون مصيرها الذوبان والاندثار ويتقاذفها أصحاب النفوذ والتأثير من الأشخاص والدول التي تتقاطع بعلاقاتها مع إسرائيل.
وهذا التهديد يتجلى في ثلاث محاور هامة, أولا: الحالة البنيوية الداخلية الفلسطينية, ثانيا: العلاقة مع الاحتلال, ثالثا: البعد الفلسطيني وعلاقاته العربية والدولية.
فالمتابع لتأثيرات الانقسام على الصعيد الداخلي البنيوي والنسيج الاجتماعي فقد ألقى بظلالة القاتمة على كافة المناحى الحياتية ومنها النواحي القيمية والاخلاقية والسلوكية, وبرزت ظواهر ونعرات لم تكن حاضرة في تاريخ القضية الفلسطينية تمثل انتكاسة حقيقية وانحدارا لقيمنا الاخلاقية والوطنية, ومنها الفُجر في الخصومة والتطاول في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والملتقيات.
فتأثرت العلاقات داخل البيت الفلسطيني الواحد والأسرة الواحدة وأحيانا في حالات الزواج والطلاق والتفكك الاجتماعي, ويجب أن يكون حاضرا في الذهن الفلسطيني أن الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة له علاقة مباشرة أو غير مباشرة في الخلاف والانقسام الفلسطيني الى جانب الفقر والبطالة والاعتماد على المساعدات الخارجية والبعد عن المشاريع التنموية, وكذلك الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية واغلاق المعابر والموانئ وازدياد وتيرة الهجرة للشبان والكفاءات للخارج وعزوف كثير من الطلبة عن الالتحاق بالجامعات والمعاهد لعدم القدرة على دفع الرسوم.
وهذه المعطيات وغيرها تفقد المواطن الفلسطيني الثقة بقياداته المختلفة وتوجد شرخاً في العلاقة بين الشعب وقياداته وقد تصل تراكمياً الى حالة من الاحباط والفتور الوطني وضعف الانتماء.
أما على صعيد العلاقة مع الاحتلال فيعتبر الانقسام هدية مجانية مقدمة على طبق من ذهب لإسرائيل فهي الرابح الأكبر من هذه الحالة الفلسطينية والانقسام السياسي والجغرافي وتفكيك الوطن وابقاء هذه الحالة هي هدف إسرائيلي استراتيجي لا يكلفها أي ثمن وهو يخدم سياستها ومشروعها, ففي ظل الانقسام تنصلت اسرائيل من جميع التزاماتها الدولية تجاه الفلسطينيين ولم تتقدم أي خطوة تجاه التعهدات الموقعة بل ضاعفت من سياستها التوسعية وأقرت ضم الأراضي وزادت المستوطنات عشرات الأضعاف من مساحاتها واعدادها واستمرت في سياساتها بتهويد القدس وتمارس الابتزاز المالي والسياسي ضد الفلسطينيين, وتستثمر علاقاتها العربية والدولية للضغط على الفلسطينيين للقبول بالحلول التي تطرحها.
أما في البعد الفلسطيني وعلاقته العربية والدولية فالانقسام أضعف كثيراً الموقف الفلسطيني دولياً خاصة في ظل عدم بسط السلطة الفلسطينية على قطاع غزة وإشكالية الدعم الدولي وآليات توزيعه والمشاريع الدولية في الأراضي المحتلة والاجراءات المتخذة من قبل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين والتقليل من موازناتها, فالموقف الفلسطيني في المحافل الدولية تأثر كثيراً من خلال عدم استطاعته تقديم اختراقات دبلوماسية وسياسية كبيرة خاصة تجاه الزام اسرائيل تنفيذ التزاماتها الدولية تجاه الفلسطينيين مستثمرة البيئة الفلسطينية الداخلية وكذلك على المستوي العربي والتراجع الكبير للتأييد والاهتمام والأولوية للقضية الفلسطينية الذي سببه الأهم هو الانقسام الفلسطيني الى جانب عوامل أخرى للحالة العربية المتهاوية.
والانقسام الفلسطيني أعطي مبرراً للعديد من الأطراف والدول العربية للدخول في سباق محموم للتطبيع مع اسرائيل مما أثر على قوة الموقف الفلسطيني وذلك في غياب الموقف الفلسطيني الموحد والتصدع في الجبهة الفلسطينية الداخلية, وعليه فان اسرائيل تعتبر أن المناخ والبيئة الداخلية الفلسطينية والبيئة العربية والدولية هي الأفضل والأنسب لها لتحقيق أهدافها وهذا ما حصل واقعاً من خلال التطورات الأخيرة التي لم تكن متوقعة بهذه السرعة وأبرزها الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأمريكية وضم الأراضي ووقف الدعم والتمويل لوكالة الغوث من أمريكا وعدة دول أخرى.
لذلك لا بد من وقفة للعقلاء تحت عنوان ” الوطن يجمعنا” والعمل على وقف النزيف الفلسطيني وتهديد مستقبل القضية الفلسطينية في معركة لا رابح فيها الا إسرائيل والكل الفلسطيني خاسر, وكل ما تحقق سواء في الضفة أو غزة في معركة لي الذراع أقصد ” فلسطينيا” ما هي الا انتصارات وهمية كرتونية لا جدوي منها وكل يوم يستمر الانقسام هو استمرار للجرح والنزيف الفلسطيني الذي ندفع ثمنه جميعا وسيدفع ثمنه أجيال المستقبل, فلا بد أن يعلو صوت العقل والحكمة على صوت الحنجرة والعاطفة.
فالخلاف بين أكبر فصيلين فلسطينيين وأكثرهما تأثيراً وحضوراً وتقديماً للتضحيات من خيرة أبنائهما يجب أن ينتهي لأنه لا يوجد بديل عن الالتقاء على قاعدة الاتفاق على القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء وتكامل الأدوار نحو الهدف والعنوان والبوصلة الصحيحة وهو القدس والدولة الفلسطينية والبدء في اجراء الانتخابات التي تفرز الممثلين الحقيقيين للشعب الفلسطيني.
اترك تعليقاً